الدرس الثاني والعشرون: واجب حيوي

"فإن هذه هي محبة الله أن نحفظ وصاياه... ووصاياه ليست ثقيلة" 1يوحنا 5: 3

 

     نشدُ الحياة هو الإستقصاء عن السعادة ومَن أكثر من سليمان الحكيم إتبع آثارها المختلفة سعياً لنيلها فقد جرّب في الحياة ملاهيها وأفراحها، جرّب الديانات الفلسفية، والأناشيد المطربة والحكمة العالمية، جرّب الغنى والزكاة، وبعد أن قبض على الذهب المحسوب عند الناس سعادة وجده يتطاير من يديه متناثراً فإكتشف عندئذٍ مكمن السعادة الحقيقية وراحة النفس الدائمة فصرّح في قوله: "فلنسمع ختام الأمر كله. إتقِ الله واحفظ وصاياه. لأن هذا هو الإنسان كله" جامعة 12: 13.

 

     ما احسن أن يلقي المرء رأسه على وسادة السعادة والراحة بضميرٍ صالح نقي وما أطيب أن ينهض في الصباح منتعشاً لا تثقل أفكاره الآثام والذنوب. وجد الحكيم إن مثل هذه الراحة ومثل هذه السعادة في الحياة لا يجدها الإنسان إلا في حفظ وصايا الله المقدسة والطاعة الكاملة لها.

 

النعمة والخطية معاصرة واحدة للأخرى

1. منذ كم من الزمن صارت ذبيحة المسيح صالحة لخلاص الإنسان؟

"وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلاً إليه فقال هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" يوحنا 1: 29. "بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح. معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم ولكن أُظهر في الأزمنة الأخيرة من أجلكم" 1بطرس 1: 19 و 20. حقاً لقد أعّد الله قبل تأسيس العالم طريقة الفداء جاعلاً يسوع كفارةً عن خطايا العالم بأجمعه خلال كل العصور.

 

2. كم هم الخطاة الذين شملهم الموت بسبب الخطية؟

"من اجل ذلك كأنما بانسان واحد دخلت الخطية الى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت الى جميع الناس اذ اخطأ الجميع" رومية 5: 12. "لان اجرة الخطية هي موت. واما هبة الله فهي حياة ابدية بالمسيح يسوع ربنا" رومية 6: 23. كل من عاش من بني البشر على الأرض قد اخطأ وبما أن "أجرة الخطية هي موت" فالجميع نزلوا تحت حكم العقاب الموت.

 

3. ما الرجاء الوحيد للعالم الشقي الهالك؟

"من اجل ذلك كأنما بانسان واحد دخلت الخطية الى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت الى جميع الناس اذ اخطأ الجميع" رومية 5: 12. "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم. هو عطية الله" أفسس 2: 8. "لأنه قد ظهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس" تيطس 2: 11.

 

     ليس بإستطاعة أحد أن يستعيد الحياة الكاملة فالقاتل مهما عاش مستقيماً بعد إقتراف الجريمة لا يمكنه أن يكفر عن جريمته وينجو من العقاب. أما يسوع القدير الذي عاش حياة البر والقداسة فقد دفع عنا بدمه البار عقاب الخطية فنجونا نحن من أجرتها التي هي موت. إذن فبالمسيح وحده نلنا الفداء وبحياته البارة نلنا البر.

 

     لاحظ أولاً ان نعمة المسيح المخلصة هي هبة وليست أجرة لأعمالنا. وثانياً ان هبة النعمة المجانية هي لكل الخطاة الذين عاشوا ويعيشون وسيعيشون على الأرض. شكراً لله الذي جعل النعمة معاصرة للخطية في كل الأزمنة وقادرة أن تدفع الثمن مهما عظمت الخطايا ومهما كثرت.

 

     يغلط كل من يظن أن الناس الذين عاشوا قبل الصليب كانوا يبررون بأعمالهم وبالطاعة لشريعة الله. كلا فالخاطىء لن يخلص بإستحقاق بر نفسه لأن الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله. عاش المؤمنون قبل الصليب بالإيمان فقدموا الذبائح التي كانت تشير إلى دم المسيح رافع خطايا العالم. "وليس بأحدٍ غيره الخلاص لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أُعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص" أعمال 4: 12.

 

4. أية أمثلة تبين أن النعمة والبر بالإيمان كانا معروفين قبل الصليب وبعده؟

"والبار بإيمانه يحيا" حبقوق 2: 4. "لانه ان كان ابراهيم قد تبرر بالاعمال فله فخر. ولكن ليس لدى الله. لانه ماذا يقول الكتاب. فآمن ابراهيم بالله فحسب له برا. كما يقول داود ايضا في تطويب الانسان الذي يحسب له الله برا بدون اعمال" رومية 4: 2 و 3 و 6. "لاننا نحن ايضا قد بُشرنا كما اولئك لكن لم تنفع كلمة الخبر اولئك اذ لم تكن ممتزجة بالايمان في الذين سمعوا" عبرانيين 4: 2.

 

     لاحظ أن الآية التي إستشهدنا بها عن البر بالإيمان هي من أحد كتبة العهد القديم. فالتبرير بالإيمان إذن كان معروفاً قبل موت المسيح على الصليب بزمان طويل. رأينا من كلام بولس أن إبراهيم وداود كانا يؤمنان في البر بالإيمان، الأمر الذي قدّرهما على الطاعة لوصايا الله. فهل إيماننا نحن بالتبرير بدم يسوع يرفع عنا واجباتنا نحو الشريعة؟ هل يرضى يسوع الذي حررنا من الخطية أن نرجع إليها أيضاً؟

 

     إذا شمل عفو الحكومة سارقاً في السجن فهل يجوز لذلك السجين المطلق سراحه أن يستمر في التعدي وينجو من العقاب؟ كلا بل يجب عليه أن يتوب ويعيش بعيداً عن الشرور التي توقعه ثانيةً بين أيدي الحكومة التي أخرجته وعفت عنه. إن عفو المسيح لن يبطل طاعتنا لوصاياه ولن يحررنا دمه من التمسك بالشريعة. "فماذا نقول. أنبقى في الخطية لكي تكثر النعمة. حاشا... كيف نعيش بعد فيها" رومية 6: 1 و 2.

 

الخلاص بالنعمة

5. كيف نتأكد من الخلاص السعيد نتيجةً للطاعة؟

"فإن الخطية لن تسودكم لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة" رومية 6: 14.

 

     إذا عاش الخاطىء على موافقة مع شريعة الله الصالحة يجد السعادة الحقيقية بالنعمة المخلصة فلا يخاف من دينونة الشريعة لأنه يعتمد على إستحقاقات دم المسيح المكفر عن قصوره وعلى نعمته الماسكة بيده لئلا يعود فيقع في هذا القصور.

 

6. إلامَ تقتاد محبة المسيح الخاطىء؟

"إن كنتم تحبونني فإحفظوا وصاياي" يوحنا 14: 15. "بهذا نعرف اننا نحب اولاد الله اذا احببنا الله وحفظنا وصاياه. فان هذه هي محبة الله ان نحفظ وصاياه. ووصاياه ليست ثقيلة. لان كل من ولد من الله يغلب العالم. وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم ايماننا" 1يوحنا 5: 2-4.

 

     مجاناً أُعطي الخلاص ومجاناً وُهبت النعمة على حين أن الطاعة للوصايا فرضٌ واجبٌ على الإنسان لا يُنسخ. لكن لاحظ هنا أن الطاعة ليست مجرد الإمتثال الخارجي بل هي إعلان المحبة. إن شريعة الله تمثل طبيعته الإلهية فيتجسم فيها مبدأ المحبة الذي هو أساس حكومته في السماء وعلى الأرض. إذا تجددت قلوبنا على شبه الله وغُرست محبته الإلهية في أرواحنا أفلا ننفذ أوامر شريعته في حياتنا. سيعترف مفديو كل الأجيال أنهم نالوا الخلاص بنعمة المسيح وأنهم عاشوا ببره ولذلك صاروا ورثة الحياة الأبدية.

 

     "وليس بأحدٍ غيره الخلاص. لأن ليس أسم آخر تحت السماء قد أُعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص" أعمال 4: 12. "وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين... ذبحت وإشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة" رؤيا 5: 9.

 

الوحدة بين الشريعة والنعمة

7. هل يلغي قبول النعمة الوفاء للشريعة؟

"فماذا نقول. أنبقى في الخطية لكي تكثر النعمة. حاشا. نحن الذين متنا عن الخطية كيف نعيش بعد فيها" رومية 6: 1 و 2. "أفنبطل الناموس بالإيمان. حاشا بل نثبت الناموس" رومية 3: 21.

 

     فإذا كانت الوصية "مقدسة وعادلة وصالحة" فكل مسيحي إذن يجب أن يسير بموجبها. لنفتح خروج 20 ونقرأ الوصايا من 3 إلى 17 ولنفحص كل وصية بدقة أنقبلها كما قبلها الرسول أم لا؟

  1. عبادة إله واحد هو الخالق
  2. الإمتناع عن عبادة الصور والتماثيل
  3. الإمتناع عن القَسم وعد إستعمال لغة بذيئة
  4. حفظ اليوم السابع مقدساً
  5. إكرام الوالدين
  6. تجنب روح القتل
  7. عيش حياة شريفة
  8. الإمتناع عن السرقة
  9. قول الحق وكل الحق ولا شيء خلاف الحق
  10. الإمتناع عن كل الشهوات والحسد

 

ما أكمل هذه الوصايا! كل من يحفظها بنعمة المسيح لا شك أن يعيش هادىء البال مطمئن الضمير. فإن كانت حياتك غير منطبقة على إحدى هذه الوصايا فلا تهمل أن تتقدم إلى عرش النعمة ليعطيك القوة لهدم كل العراقيل التي ربما كانت المانع في سبيلك للقيام بمقتضى الوصية.

 

لا تنبذ الشريعة-إنها لغلطة قاضية

10. لماذا حفظ أحكام الله كلها أمرٌ ضروري للإنسان؟

"لان من حفظ كل الناموس وانما عثر في واحدة فقد صار مجرما في الكل لان الذي قال لا تزن قال ايضا لا تقتل. فان لم تزن ولكن قتلت فقد صرت متعديا الناموس" يعقوب 2: 10 و 11. "وبهذا نعرف اننا قد عرفناه ان حفظنا وصاياه. من قال قد عرفته وهو لا يحفظ وصاياه فهو كاذب وليس الحق فيه" 1يوحنا 2: 3 و 4.

 

     يخطىء الكثيرون إذ يتظاهرون بمحبتهم للمسيح وهم عن الولاء لشريعته المقدسة بعيدون. فمثل هؤلاء يجعلهم المسيح في مصاف المماحكين فلا خلاص لهم بسوى رجوعهم إلى التمسك بحبال لم تنفصم منها إحدى الحلقات المتماسكة أعني وصايا الله العشر.

 

11. لماذا يقف البعض موقف العداء تجاه الوصايا؟

"ولكن الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة. ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يحكم فيه روحياً" 1كورنثوس 2: 14.

 

     طالما يتمسك الناس في الطبيعة البشرية القديمة فهم مقاومون كبح الشريعة الإلهية. كل من تدين الشريعة أعماله فهو كارهٌ لها لأنها تكشف مجرى حياته الخاطئة. يشمئز المجرم من القوانين المدنية، أما المسالم المستقيم فيسر بها جداً. وهكذا المسيحي يحب الوصايا السماوية الكاملة ويعلمها بفرح وسرور لأنه يجد فيها مرساة للنفس المطمئنة. "ليتك أصغيتَ لوصاياي فكان كنهرٍ سلامك وبرُّك كلجج البحر" اشعياء 48: 18.

 

12. أي قول سديد من الكتاب المقدس يبين أن الإيمان والأعمال وحدة متماسكة؟

"وتم الكتاب القائل فآمن ابراهيم بالله فحسب له برا ودعي خليل الله.  ترون اذا انه بالاعمال يتبرر الانسان لا بالايمان وحده. لانه كما ان الجسد بدون روح ميت هكذا الايمان ايضا بدون اعمال ميت" يعقوب 2: 23 و 24 و 26.

 

     تكشف المرآة اللطخة القذرة على وجه الإنسان ولكنها لا تزيل هذه اللطخة عنه. هكذا الشريعة تكشف الخطية ولكنها لا تستطيع محوها. نشكر الله لأنه أعد دم إبنه للتطهير والإبراء "ولكن ان سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية" 1يوحنا 1: 7. بالناموس معرفة الخطية وعلينا كأبناء الله وأعداء الشيطان اللدود أن نعزز هذا الناموس في قلوبنا لنبقى قريبين من الله الحي.

 

النصرة بالمسيح

13. كيف تلتقي في المسيح كلتا النعمة والطاعة؟

"الرب قد سُرَّ من أجل بره. يعظم الشريعة ويكرمها" اشعياء 42: 21. "ولكن شكراً لله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح" 1كورنثوس 15: 57. "لأن خلاصه قريب من خائفيه... الرحمة والحق إلتقيا. البر والسلام تلاثما" مزمور 85: 9 و 10.

 

     عاش المسيح حياة كاملة بموجب الشريعة التي هي للإنسان أنموذج الحق والعدل وقياس الصلاح والبر. "ناموس الرب كاملٌ يرد النفس" مزمور 19: 7. "لأنه ما كان الناموس عاجزاً عنه في ما كان ضعيفاً بالجسد فالله إذ أرسل إبنه في شبه جسد الخطية ولأجل الخطية دان الخطية في الجسد" رومية 8: 3.

 

14. كيف أظهر المسيح بكلماتٍ واضحة جلية دوام الشريعة ضروري للخلاص؟

"لا تظنوا إني جئتُ لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئتُ لأنقض بل لأكمل. فإني الحق أقول لكم إلى أن تزرل السماء والأرض لا يزول حرف واحد ولا نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" متى 5: 17 و 18. "ولكن إن أردتَ أن تدخل الحياة فإحفظ الوصايا" متى 19: 17.

 

     أعّدَ الشيطان للتضليل بدعة قتالة فوضع في عقول الكثير من المسيحيين أن النعمة تحل الإنسان من واجب السلوك بحسب شريعة الله. ولكن أقوال المسيح تدحض هذه النظرية الشيطانية وتدير أفكارنا إلى فهم الحقيقة كما هي. نعم إن النعمة تحل الإنسان من التعدي والخطية وتقدره على السلوك كما سلك المسيح في تكميل الوصايا.

 

تأملات روحية

"إذن لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح" رومية 8: 1. يستغيث القاتل بالحاكم فيشفق هذا على ذاك رحمةً منه عليه. لقد صدر الحكم بالإعدام ثم أفلت المحكوم عليه، ليس لأن القانون لم يطله بل لأن الرحمة والعفو شملاه فهو ليس تحت حكم العدل الآن. وهل يحق له أن يرجع فيتعدى ويكسر قوانين البلاد. حاشا. بل الآن أصبحت عليه المسؤولية أكبر نحو هذا القانون الذي هو المأمن الوحيد للحريات والسلام.

 

     يجد الخاطىء بنعمة المسيح الكفارية ودمه الطاهر تحرراً من عقاب الناموس فهو إذن ليس تحت دينونة وعليه منذ الآن التمتع بهذه النعمة المبررة ليعيش ليكرم الشريعة محبةً في مُنشئها الذي بذل دمه ليحرر الخطاة من عقاب التعدي على تلك الشريعة.

 

"مع المسيح صُلبتُ فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان إيمان إبن الله الذي أحبني وأسلمَ نفسه من أجلي" غلاطية 2: 20

 

صــــــــلاة

     إنني يا أبي السماوي أشعر بعميق محبتك لي إذ أنك أرسلتَ إبنك الوحيد ليبذل حياته ويخلصني من خطاياي. أشكرك لأجل هذه العطية الثمينة والمحبة الفائقة وأطلب يا رب أن تساعدني في السلوك بموجب وصاياك فأبرهن أنني قادر مراحمك حق قدرها بحفظ نواميسك وشرائعك. ولك أيها الآب المجد بإبنك يسوع فادينا. آمـــــــــــــــين.