الدرس الحادي والثلاثون: الخطية التي لاتُغفر

"لذلك أقول لكم كل خطية وتجديف يُغفر للناس وأما التجديف على الروح القدس فلن يغفر للناس" متى 12: 31

 

     نتناول في هذا الدرس البحث عن موضوع خطير جداً وهو الخطية التي لا تغفر أعني بها الخطية ضد الروح القدس. لقد استولت الكآبة على الكثيرين من الناس لزعمهم أنهم قد اقترفوا هذا الإثم الذي لا يغفر والحقيقة أنهم ليسوا بعيدين عن الله بهذا المقدار. أما تخوفهم فهو دليل على أن الروح القدس لا يزال يعمل فيهم بخلاف هؤلاء الذين لا يعيرون إلتفاتاً لهذا الأمر ولربما كانوا على مشارف الهبوط وإن سقطوا فلا أمل بعد لقيامتهم من السقطة.

 

     ولكي نعرف ما هي الخطية ضد الروح القدس علينا أولاً أن نفهم عمل الروح ويجدر بنا أن نسأل الله بصلاة حارة، قبل أن نتعمق في هذا البحث، لكي يحفظنا من الإرتداد والوقوع في هذه الخطية التي لا تغفر.

 

عمل الروح القدس

1. كيف وصف المسيح عمل الروح في قلوب طلاب الحق؟

"لكني اقول لكم الحق انه خير لكم ان انطلق. لانه ان لم انطلق لا يأتيكم المعزي. ولكن ان ذهبتُ ارسله اليكم. ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة.. واما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم الى جميع الحق لانه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بامور آتية" يوحنا 16: 7 و 8 و 13.

 

     الروح القدس المعزي هو القادر أن يكون في كل مكان بوقت واحد. يعمل الروح القدس في كل الوجود ويملأه بحضوره غير المنحصر في مكان معين. لقد صرّح المسيح بأن عمل الروح القدس هو تبكيت العالم على الخطية وارشاد طلاب الحق إلى "جميع الحق". واشعياء النبي الموحى له عن عمل الروح دَوَّن هذه العبارات: "واذناك تسمعان كلمة خلفك قائلة هذه هي الطريق اسلكوا فيها حينما تميلون الى اليمين وحينما تميلون الى اليسار" اشعياء 30: 21.

 

     سعيد هو المرء الذي يتبع ارشاد الروح القدس. انه لا يخاف من اقتراف الغلطة التي لا تغفر حين يذعن قلبه إلى صوت الروح بالتوبة ويعتمد على اسم يسوع المسيح لمغفرة الخطايا. في مثل هذا القلب المفتوح لقبول الكلمة يدخل الروح القدس ويجعل له مسكناً إلى الأبد.

 

"فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس"أعمال 2: 38. "واما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم الى جميع الحق لانه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بامور آتية.. واما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلّمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم" يوحنا 16: 13؛ 14: 26. "عالمين هذا اولاً ان كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص. لانه لم تأت نبوة قط بمشيئة انسان بل تكلم اناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" 2بطرس 1: 20 و 21. "قدسهم في حقك. كلامك هو حق" يوحنا 17: 17.

     لنلاحظ بتدقيق الحقائق التي تتضمنها هذه الآيات الثلاث:

  1. لا يُعلم الروح القدس تعاليم جديدة ولكنه يساعد بالأحرى طالب الحق في معرفة تعاليم المسيح
  2. كان الروح القدس يسوق الكُتّاب ليكتبوا التعاليم الإلهية
  3. إن التعاليم التي نجدها في الكتاب هي وسائط للقداسة والخلاص

            إن الروح القدس الذي كلّم الأنبياء قديماً وهم يدونون الوحي هو هو ذلك الروح القدس نفسه الذي يكلمنا نحن في القرن الحادي والعشرين فإن سِرنا بموجب تعاليم الكتاب فلا شك بأن ذلك الروح الذ أرشد الوحي يرشدنا نحن كذلك لأنه شاهد على ما كُتب وعلى أفكارنا ايضاً.

 

     كان يحضر أحدهم اجتماعات روحية ليلاً ويدرس في النهار مع أحد المبشرين عن كلمة الله فكان الروح القدس أقنع هذا بوجوب الإبتعاد عن بعض الرذائل التي تَعَودها في حياته فأراد التخلص منها لكي يستحق أن يكون ابناً لله ولكنه أبى بعد جهاد طال أشهراً عديدة أن يتنازل عن عادته التي لا تتفق مع كلمة الله فلم يعد إلى الإجتماعات لأنه رفض صوت الروح الذي يكلمه. لقد أحب العالم أكثر من محبة الله.

 

     مسكينٌ هو الرجل الذي يغلق بوجه الروح باب الخلاص! ومخيف جداً أن يرفض المرء ارشاد الروح الذي أرسله المسيح ليعلم الناس مسالك الحق!

 

2. كيف فيكون موقف من يقتاده الروح القدس تجاه شريعة الله؟

"ان كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي. وانا اطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم الى الابد. روح الحق الذي لا يستطيع العالم ان يقبله لانه لا يراه ولا يعرفه. واما انتم فتعرفونه لانه ماكث معكم ويكون فيكم.. الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني. والذي يحبني يحبه ابي وانا احبه واظهر له ذاتي" يوحنا 14: 15-17 و 21.

 

               شدَّدَ المسيح في البيان أنه عندما يدخل الروح القدس المعزي في قلب الإنسان يصبح ذلك القلب ذا اميال طبيعية لإحترام شريعة الله. وبالعكس كل من يرفض شريعة الله ويقاومها فهو لا شك مقاوم للروح القدس. "...ان كان روح الله ساكناً فيكم. ولكن ان كان احد ليس له روح المسيح فذلك ليس له.. لان اهتمام الجسد هو عداوة للّه اذ ليس هو خاضعا لناموس الله لانه ايضا لا يستطيع" رومية 8: 9 و7. "وبهذا نعرف اننا قد عرفناه ان حفظنا وصاياه. من قال قد عرفته وهو لا يحفظ وصاياه فهو كاذب وليس الحق فيه" 1يوحنا 2: 3 و 4.

 

               كل من يتعمد رفض كلمة الله وشريعته ويداوم على ذلك فهو يقاوم الروح القدس وبذلك يسقط تحت حكم الذنب الذي لا يغفر. ينادي الكثيرون بالتقوى وبمحبة المسيح مع انهم يُصِّرون على كسر وصاياه ولهذا فالسماء تعتبرهم مماحكين مواربين. ألم يُظهر القادة الدينيون على عهد المسيح تديناً وتقشفاً ومع هذا فقد أنَّبَهم لأنهم رفضوا أن يصغوا لقول الكتاب ونبوات الكتاب عنه.

 

           "فتشوا الكتب لانكم تظنون ان لكم فيها حياة ابدية. وهي التي تشهد لي.. لانكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني لانه هو كتب عني" يوحنا 5: 39 و 46. تحذيراً لضمائرهم وإمعاناً في المثلبة احتّج الرؤساء بأن ما يعمله المسيح إنما يعمله بقوة الشيطان الذي فيه. لا بد أنهم عرفوا ورأوا أنه كان يُعلّم ويعمل بانسجام مع الكتاب ونبوات الكتاب ولكنهم أبوا تمرداً إلا ويغمضوا عيونهم ويسّدوا آذانهم حتى لا يسمعوا صوت الروح المبكت على خطاياهم. فنطق يسوع بالويل على هؤلاء النابذين النعمة قائلاً: "لذلك اقول لكم كل خطية وتجديف يغفر للناس. واما التجديف على الروح فلن يغفر للناس" متى 12: 31. "كلا أقول لكم. بل إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون" لوقا 13: 5.

 

            مهما بلغت الخطايا من فداحة فيسوع قد دفع ثمنها وهو مستعد لغفرانها على شرط الاعتراف بها والتوبة عنها. أما الخطية التي لا يقدر أن يغفرها المسيح فهي الخطية التي لا نعترف بها ولا نتوب عنها.

 

         يرفض الناس لأن يتوبوا لأحد أمرين أولاً لأنهم يريدون التنعم بالخطية فلا يطلبون الحيدان عن الشر المنبعث منها. ثانياً لأنهم انغمسوا في الخطية حتى أصبحت مألوفة لديهم فلا يشعرون بتفاقم الخطر. هذه الخطايا المتجمعة التي لا يتوب عنها المرء تصبح أخيراً تلك الخطية التي سمّاها المسيح التجديف على الروح القدس. لا تغفر الخطايا لأن الخاطىء لا يعترف بها ولا يندم على ما فعل وأخيراً لا يبقى فيه ذلك القلب اللين والمشتاق للسعي وراء المسيح بل تقسى وتصلب في الاستمرار بالشرور.

 

          وأيضاً إذا رفض انسان الحق وهو يعلم أنه الحق ونَسَبهُ إلى الشيطان وهو يعلم أنه من الله فيقترف بذلك خطية لا تغفر.

 

3. على أي قانون يُعاقَبُ الإنسان أو ينال الثواب؟

"فلنسمع ختام الأمر كله. اتّق الله واحفظ وصاياه لان هذا هو الانسان كله. لأن الله يُحضر كل عملٍ الى الدينونة على كل خفي ان كان خيراً او شراً" جامعة 12: 13 و 14. "فمن يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل فذلك خطية له" يعقوب 4: 16.

 

       عندما يعرف الإنسان ما هو الحق ولا يعمل بموجب الحق الذي يعرفه فهو مجرم بنظر السماء. "كل من يفعل الخطية يفعل التعدي أيضاً الخطية هي التعدي" 1يوحنا 3: 4 "لأن بالناموس معرفة الخطية" رومية 3: 20.

     إن الإستمرار في رفض مطالب شريعة الله المقدسة ينتهي إلى الخطية التي لا تغفر. لأن في رفض شريعة الله مقاومة للروح القدس. استفانوس قبل أن يموت شهيداً لخّص ذلك بقوله: "يا قساة الرقاب وغير المختونين بالقلوب والآذان انتم دائما تقاومون الروح القدس. كما كان آباؤكم كذلك انتم.. الذين اخذتم الناموس بترتيب ملائكة ولم تحفظوه" أعمال 7: 51 و 53.

 

لا تحزنوا الروح القدس

4. بأية كلماتٍ حّذّر الكتاب الناس من الخطية التي لا تغفر؟

"لا تطفئوا الروح" 1تسالونيكي 5: 19. "لا تُحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء" أفسس 4: 3. "أيضاً من المتكبرين احفظ عبدك فلا يتسلطوا عليَّ. حينئذٍ أكون كاملاً وأتبرأ من ذنب عظيم" مزمور 19: 13

 

     عندما يستمر الانسان في اقتراف الاثم يصبح في الأخير عبداً للخطية الطاغية ويحسب أن الله لا يجعله مسؤولاً لضعفه واستسلامه للشر. ولكن ليس الأمر كذلك لأن الله لا يتغاضى عن الخطية مهما كان الأمر.

 

     يتوسل بولس الرسول إلى أعضاء الكنائس في كل العصور ألا يطفئوا الروح وألا يقاوموه لأنه الواسطة الوحيدة لنيل الخلاص. أطفأ البعض الروح بالسُكر والبعض بالفساد الأدبي والبعض بالمسرات الفاسدة والبعض بالخيانة والبعض بالكبرياء والبعض بالإهمال والبعض بكسر يوم السبت المقدس للرب. كل حق مهمول أو مرفوض وكل خطية معززة مهما ظهرت لنا صغيرة لا بد أن تجُرَّ المتعدي إلى الدمار الروحي واطفاء نور الإنجيل.

 

5. لماذا لا رجاء لمن يقاوم الروح؟

"اذ هم مظلمو الفكر ومتجنبون عن حياة الله لسبب الجهل الذي فيهم بسبب غلاظة قلوبهم. الذين اذ هم قد فقدوا الحس اسلموا نفوسهم للدعارة ليعملوا كل نجاسة في الطمع" أفسس 4: 18 و 19 "في رياء أقوال كاذبة موسومة ضمائرهم" 1تيموثاوس 4: 2 "فإنه ان اخطأنا باختيارنا بعد ما اخذنا معرفة الحق لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا بل قبول دينونة مخيف وغيرة نار عتيدة ان تأكل المضادين" عبرانيين 10: 26 و 27.

 

     كل من يعرف الحق ويفعل الخطية بملء إرادته فلا رجاء له ما لم يتب ويرجع إلى السلوك الكامل. لا يوجد في كون الله كفارة عن الخطايا التي لا يريد المرء تركها. إذا داوم الانسان في العصيان لا بد أن ينتهي في الأخير إلى حالة لا يعود يشعر معها بالخطأ الفادح فلا يروم التوبة لأن ضميره وُسِّم بحديدٍ كاوٍ فتخدّر ومات، وأصبح أصم لا يسمع صوت الروح يناديه. فهو للأسف صار تحت حكم الذنب الذي لا يغفر.

 

6. ما هي الطريقة الوحيدة لنيل الخلاص بالمسيح؟

"لا يقدر احد أن يُقبل إلّيَ إن لم يجتذبه الآب الذي أرسلني" يوحنا 6: 44

 

     كثيراً ما يلعب الانسان في أمر الأبدية ويقول "أنا أعلم أن حياتي هذه لا تُرضي الله ولكن في نيّتي أن أُغير مجرى هذه الحياة فأسير مع الله وذلك في المستقبل القريب" فيخفى عليه أنه كلما أجّلَّ القبول كلما انسحبت نعمة المسيح منه. ما كان المرء ليُقبل قط إلى المسيح بأختياره لو لم يكن روح الله ليضع في القلب وجوب التقرب إلى عرش النعمة. فما دام فيك أيها الأخ العزيز روح دافع نحو الصلاح والخلاص فلا تؤجل لئلا تُحزن روح الله وتطفئه من قلبك. لا تتوانَ البتة ولا تستسلم للخطية مهما كانت تأثيراتها كبيرة أم صغيرة عليك لئلا تجرفك بعيداً عن تأثيرات روح الحق.

 

الدعوة الأخيرة

7. كيف يكون موقف مَن اقترف الخطية التي لا تغفر؟

"توجد طريقٌ تظهر للانسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت"  أمثال 16: 25

 

     إن من اقترف الخطية التي لا تغفر لا يشعر بسوء مصيره المميت فهو إما أن يفتكر أنه مصيبٌ في عمله وليس بحاجة إلى الإصلاح أو أنه لا يكترث البتة في أمر نفسه.

 

     أخذ مريضٌ جرعة كبيرة من المخدرات وذهب لينام فوضع على جنبه قرميدة حارة جداً ليستدفىء بها وإذ لم يكن يشعر تحت المُسكِّن بالحرارة الزائدة احترق وكان الحرق بليغاً في جنبه. هكذا هي الخطية التي لا تغفر تودي بالانسان دون أن يشعر بها.

 

8. ما هي دعوة المسيح الأخيرة لكل قلبٍ بشري؟

"لانه يقول. في وقت مقبول سمعتك وفي يوم خلاص اعنتك. هوذا الآن وقت مقبول. هوذا الآن يوم خلاص" 2كورنثوس 6: 2 "لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية" يوحنا 3: 16.

 

     يفتكر البعض بأنهم هالكون لأنهم لا يشعرون بأن خطاياهم قد غُفرتْ فالغفران ليس بقضية شعور بل قضية ايمان (راجع الدرس الخامس). لا يزال باب الرحمة مفتوحاً لكل التائبين طالما لم يلفظ المسيح بعد العبارة التي ينتهي بلفظها عمل الشفاعة عند الآب "من يظلم فليظلم بعد. ومن هو نجس فليتنجس بعد. ومن هو بار فليتبرر بعد. ومن هو مقدس فليتقدس بعد" رؤيا 22: 11. عندما يُصرح المسيح بهذا الإعلان الخطير لا يبقى بعد من فرصة للانسان، وتفشل كل محاولة عندئذٍ لتغيير الأخلاق والعادات لأنه يكون قد تقرر مصير الجميع نهائياً والويل الويل لمن ليس له نصيبٌ مع الخروف.

 

     نشكر الله لأن الفرصة لا تزال سانحة أمامنا وإن كانت تتقلص دائرتها يوماً بعد يوم فيما تختار الألوف إما الغبطة أو الويل. فياأيها الصديق لا تستكن بعد للأيام فإن كنتَ للآن لم تُسلم قلبك لله فلا تتوان عن قبول دعوته للخلاص بل افتح له قلبك على مصراعيه وقل له: "تعال، نعم تعال أيها الرب يسوع، تعال اليوم".

 

في سكون الشركة مع الله

     "وبينما كان يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة ان تكون ارتعب فيلكس واجاب اما الآن فاذهب متى حصلت على وقت استدعيك" أعمال 24: 25. كم هم الذين مثل فيلكس أهملوا آخر فرصة بقولهم للروح القدس "أما الآن فاذهب" على أمل أن يحصلوا على وقت آخر مناسب للتوبة وذلك الوقت لن يعود. ينذر الله الخاطىء ليرجع عن طريق الظلم والفساد وكل الميول الشريرة، ولكل واحدٍ يأتي وقتٌ فيه يُعطى الإنذار الأخير فلا تدع الفرصة تذهب سدىً لأنك بفعلك هذا تخسر الحياة الأبدية.

 

     كان مسافر ذات يوم من أيام الشتاء يقطع الجبل إلى قرية في الجهة الثانية فإذا بعاصفة تهب وتعرقل سيره وهو قريب من القمة فلم يستطع الرجوع ولا التقدم ولكن اتفق له أن رأى كهفاً فمالَ إليه هرباً من الثلوج المتساقطة والعواصف الهائجة. وبعد دقائق قليلة حَسَّ بقارص البرد وكاد يجمد دمه في العروق فصار يرتجف وخشي سوء المغبة فراح يجس جيوبه ولحسن حظه وجد عود ثقاب لا غير. تأمل كم كان شديد الحرص عليه إذا أطفأته الرياح انطفأت معه حياة ذلك الرجل في ذلك المكان. فأخذ بجمع الأوراق المتناثرة اليابسة في ذلك الكهف ثم أخذ ورقة من جيبه وأشعل عود الثقاب بكل انتباه وولع الورقة أولاً ثم الأوراق اليابسة وهو يضيف إلى هذه النار الضئيلة بغض الغصون الدقيقة ثم الحطب فأضرمت نار قوية أخيراً، فأستدفأ المسافر ونجا من الموت.

 

     إن هذه القصة لتوحي لنا أموراً رمزية في كل دقائق حوادثها. هل تعلم أيها الصديق إذا كنت حاصلاً على أكثر من شعلة نور من عند الرب. لماذا لا تحتاط للأمر وتقبل الدعوة الأخيرة فتضرم في قلبك نيران المحبة الإلهية التي بواسطتها تقدر أن تتخلص من العدو الألد وهو يزمجر غضباً ليفترسك.

 

صلاة

     أشكرك يا أبي السماوي من أجل روحك الذي لا يزال يعمل في قلبي فساعدني يا رب حتى أسمع صوت هذا الروح فلا أحيد عن طريق الخلاص. اغفر يا رب خطاياي وهبني أخيراً أن أجتمع معك في المنزل السماوي بأسم يسوع الفادي آمــــين.