الدرس الثالث عشر: العشور والتقدمات

"فإنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح أنه من أجلكم إفتقر وهو غني لكي تستغنوا انتم بفقره" 2كورنثوس 8: 9

 

     يحتاج المرء إلى نعمة وافرة جداً حتى تحمله على أن يفتقر لكي يُغني غيره. أما السيد المسيح فقد قام بهذه التضحية نفسها لأجلنا حتى أنه قال كما كتب الرسول بولس: "مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ" أعمال 20: 35

 

     لقد إتصف تلاميذ المسيح الأمناء بروح التضحية هذه والتلميذ الوحيد فيهم الذي بقي متمسكاً بالجشع وحب الذات ولم يمتثل لنصائح المعلم وكرازته عن السخاء وإنكار الذات مات منتحراً. بولس الرسول كان غنياً ناجحاً فإفتقر لأنه فضّل خدمة البشرية على الغنى الوقتي. إذا شارك المسيحي السيد المسيح في آلامه يشاركه أيضاً في امجاده. على كل مسيحي أن يضحي من أجل الآخرين متذكراً قول السيد الرب: "مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ".

 

الغنى الأرضي والحياة الأبدية

1. بماذا يختلف المسيحي عن ابن العالم؟

"وقال لهم انظروا وتحفّظوا من الطمع. فانه متى كان لاحد كثير فليست حياته من امواله.. فلا تطلبوا انتم ما تأكلون وما تشربون ولا تقلقوا. فان هذه كلها تطلبها امم العالم. واما انتم فابوكم يعلم انكم تحتاجون الى هذه. بل اطلبوا ملكوت الله وهذه كلها تزاد لكم" لوقا 12: 15 و 29-31.

 

     يهتم ابن العالم أول كل شيء للأرباح والتمتع بمسرات هذه الحياة بقدر ما يستطيع إليها سبيلاً. أما المسيحي فيعمل بكل ما أوتي من قوة لمساعدة الآخرين وهمه الوحيد هو خلاص النفوس وإعدادها للحياة الأبدية.

 

     يقول بولس الرسول: "ان كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح فاننا اشقى جميع الناس" 1كورنثوس 15: 19. إذا تأملت الحياة الأبدية فكل بهرج الحياة وما فيها من فتون ساحرة تتوارى تحت تلك الأمجاد الباقية.

 

2. ماذا تُعلّم المسيحية عن الأمانة في الأمور المالية؟

"الامين في القليل امين ايضا في الكثير. والظالم في القليل ظالم ايضا في الكثير. فإن لم تكونوا امناء في مال الظلم فمن يأتمنكم على الحق" لوقا 16: 10 و 11

 

     كل من لا يبرهن عن صدقه وأمانته في مال الظلم العابر سريعاً فكيف يأتمنه السيد المسيح على الغنى السماوي؟

 

3. كيف يعتبر السيد المسيح من يقدم الربح على عبادة الله؟

"لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه. او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه" مرقس 8: 36 و 37 "وضرب لهم مثلاً قائلاً. انسان غني اخصبت كورته. ففكر في نفسه قائلا ماذا اعمل لان ليس لي موضع اجمع فيه اثماري. وقال اعمل هذا. اهدم مخازني وابني اعظم واجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي. واقول لنفسي يا نفس لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة. استريحي وكلي واشربي وافرحي. فقال له الله يا غبي هذه الليلة تطلب نفسك منك. فهذه التي اعددتها لمن تكون. هكذا الذي يكنز لنفسه وليس هو غنيا للّه" لوقا 12: 16-21

 

     مهما نجح المرء في هذه الحياة ومهما عظم وساد فليست حالته هذه هنا مما يبعث على الراحة والطمأنينة طالما هو لا يسعى وراء الحياة الأبدية. قبور الأغنياء كقبور الفقراء المتسولين تخلو هي أيضاً من الغنى العالمي. ما اكثر من ينصرفون إلى الأمور العالمية ويهملون الأمور الأبدية الثابتة. يقول السيد المسيح: "لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضاً" متى 6: 21.

 

المسيحيون والعشور

4. أية الواجبات المالية تُطلب مع الفضائل المسيحية؟

"ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تعشرون النعنع والشبث والكمون وتركتم اثقل الناموس الحق والرحمة والايمان. كان ينبغي ان تعملوا هذه ولا تتركوا تلك" متى 23: 23

 

     ينبغي ان يدقق المؤمنون في دفع العشور إلى خزينة الرب. حقاً إن أثقل الناموس هو الحق والرحمة والإيمان ولكن القيام بهذه لا يغنينا عن تعشير مالنا فيجب ألا نهمل العشور البتة.

 

5. كيف يثبت بولس الرسول وجوب دفع العشور لأجل إمتداد عمل الإنجيل والبشارة؟

"ألستم تعلمون ان الذين يعملون في الاشياء المقدسة من الهيكل يأكلون. الذين يلازمون المذبح يشاركون المذبح. هكذا ايضا امر الرب ان الذين ينادون بالانجيل من الانجيل يعيشون" 1كورنثوس 9: 13 و 14 "حيث دخل يسوع كسابق لاجلنا صائرا على رتبة ملكي صادق رئيس كهنة الى الابد.. الذي قسم له ابراهيم عشرا من كل شيء.." عبرانيين 6: 20؛ 7: 2.

 

     نساند الكرازة بالإنجيل بدفع العشور إلى خزينة بيت الله بموجب التعليم الذي علّم به السيد المسيح والرسل بعده. إن هذه العشور المدفوعة إلى الكنيسة يقول عنها الرسول في عبرانيين 7: 8 كأنها مدفوعة إلى السيد المسيح الحي "وهنا اناس مائتون يأخذون عشراً واما هناك فالمشهود له بانه حيّ".

 

     ولا يقصد السيد المسيح أن يغتني خدام الكلمة من العشور بل أن يتقاضوا ثمن ضروريات الحياة وما زاد على ذلك يستخدم في إذاعة البشارة للذين يجهلونها. إن مؤسس المسيحية لم يربح من المسيحية شيئاً وغاية ما نال أخيراً الصليب. من العار إذاً أن يطلب الخدام معاشات باهظة ولا يحق لأحد أن يستفيد من صليب المسيح إفادة شخصية فالعشور هي اموال يجب أن يستخدمها المسؤولون لأجل الكرازة بالإنجيل وحمله إلى أقصى الأرض.

 

     يقول المسيح "مَن يقبلكم يقبلني" متى 10: 40 "فيجيب الملك ويقول لهم الحق اقول لكم بما انكم فعلتموه باحد اخوتي هؤلاء الاصاغر فبي فعلتم" متى 25: 40. إذا أتينا بعشورنا إلى خزينة بيت الرب فكأننا أتينا بها إلى المسيح نفسه.

 

6. ما الدليل على أن العشور كانت فريضة يمارسها أولاد الله قبل إعطاء الشريعة عن يد موسى لبني إسرائيل؟

     يقول الكتاب في تكوين 14: 20 ان ابراهيم أعطى ملكي صادق الكاهن عُشراَ من كل شيء "ونذر يعقوب نذراً قائلاً... كل ماتعطيني فإني أعشره لك" تكوين 28: 20 و 22.

 

     هذه العشور دُفعت قبل إعطاء الشريعة لموسى بمئات السنين. يسوع المسيح وبولس الرسول يُذكران أتباع الله بوجوب تعشير كل ما عندهم وبالحقيقة ليس من ترتيب اسمى وأحسن وأعدل واشرف من هذا الترتيب لتمويل الإنجيل. إذا كان الأسرائيليون قد عشّروا أموالهم بهذه الدقة ليعولوا خدام الهيكل في أورشليم فكم بالحري يجب علينا نحن أن نقدم لبث البشارة بالإنجيل إلى العالم اجمع المفتقر إلى البشارة.

 

المسيحي لا يسلب

7. ما هي شكوى الله على المدّعين التدين؟

"أيسلب الانسان الله. فانكم سلبتموني. فقلتم بم سلبناك. في العشور والتقدمة. قد لعنتم لعنا واياي انتم سالبون هذه الامة كلها" ملاخي 3: 8 و9.

 

          إذا جرب المسيحي أن يتنصل من حوالة السمان أو البقال أو شركة المياه أو من دفع أي دين عليه فإن الجميع يتفقون بصوت واحد على أنه خدّاع مخاتل عديم النزاهة ولكن كم وكم هم المسيحيون الذين لا يدفعون إلى الخزينة ما عليهم من عشور وتقدمات وهم لا يشعرون أنهم سالبون الله حقه. يُصّرح القديس بولس أن السارق لا يرث ملكوت الله "ولا سارقون... يرثون ملكوت الله" 1كورنثوس 6: 10 فكيف يجسر المسيحيون أن يسلبوا القاضي الذي بيده أمر دينونتهم؟

 

     إلى كل المؤمنين في كل العصور أعطى مثل حنانيا وسفيرة إنذاراً مرعباً لمن يخون الله في الواجبات نحو بث البشارة المفرحة بالخلاص. (إقرأ الإصحاح الخامس من سفر أعمال الرسل)

 

8. ما هو واجب الإنسان من جهة العشور والتقدمات إذا كان يطلب البركات الموعود بها؟

"هاتوا جميع العشور الى الخزنة ليكون في بيتي طعام وجربوني بهذا قال رب الجنود ان كنت لا افتح لكم كوى السموات وافيض عليكم بركة حتى لا توسع. وانتهر من اجلكم الآكل فلا يفسد لكم ثمر الارض ولا يعقر لكم الكرم في الحقل قال رب الجنود" ملاخي 3: 10 و11

 

     ليس لأحد أن يصرف العشور كما يرى هو مناسباً بل عليه أن يجيء بها إلى الخزانة- إلى الكنيسة كما كان قبلاً في الهيكل. يحضنا الله في الآية السالفة على الطاعة بقصد الإمتحان. إنه ليسر جداً بإعالتنا في كل أمورنا المادية والروحية عندما نقدم العشور بفرح وامانة.

 

     ألوف من المؤمنين يشهدون أن أمانتهم في تقديم العشور سكبت عليهم بركات الله بسعة. لقد حافظ الله في هذه الأام الأخيرة على حياة وممتلكات أولاده بصورة عجيبة لأنه يهتم بمن كان أميناً بالعشور والتقدمات. في العشور شركة مقدسة مع السيد المسيح فإذا شاركته لن تعثر في كل طرقك.

 

أصول العشور والتقدمات

9. ما هي القاعدة لدفع العشور؟

"وكل عشر الارض من حبوب الارض واثمار الشجر فهو للرب. قدس للرب" لاويين 27: 30 "تعشيراً تعشر كل محصول زرعك الذي يخرج من الحقل سنة بسنة" تثنية 14: 22

 

     إن عشر المحصول هو قدس للرب. نعيب الشماس بحق إذا مدَّ يده واخذ من مال جمعه للرب من الأعضاء. أليس من الإثم ايضاً أن يحفظ احد في جيبه مالاً هو قدس للرب. أي العشور؟

 

     إدفع عشر ما تربحه من كل عمل بعد أن تحسم المصاريف المسببة على حساب هذا العمل وما زاد فيجب أن يدفع عشره للرب. كل زيادة على رأسمالك فلاحاً كنت أم تاجراً يجب أن تعشرها قدساً مقدساً لإلهك. يظهر أن الكثيرين يستصعبون دفع العشور عندما تكون أرباحهم وافرة. عقيم هو هذا التفكير وخطأ كبير إذا ما عملوا به. وكيف يحق لمثل هؤلاء أن يسلبوا الله الذي أنعم عليهم ببركات غزيرة؟ وكثيراً ما يحسب الفقير أنه معفى من دفع العشور لأن إيراده قليل فكيف ينتظر من الله أن يعطيه أكثر؟

 

10. لمن الأشياء كلها؟

"للرب الارض وملؤها. المسكونة وكل الساكنين فيها" مزمور 24: 1 "لي الفضة ولي الذهب يقول رب الجنود" حجي 2: 8 "لان لي حيوان الوعر والبهائم على الجبال الالوف. قد علمت كل طيور الجبال ووحوش البرية عندي" مزمور 50: 10 و 11.

 

     إذا سكنت بيتاً فإنك تدفع بدل الإيجار وإذا زرعت حقلاً فإنك تقدم من أثمار الحقل وغلته لصاحبه، فبما أن كل شيء هو ملك لله أليس من العدل أن تقدم للخزنة العشر دليلاً على ملكية الله وإعترافاً منك بهذه الملكية؟ حسن أن نذكر أننا "به نحيا نتحرك ونوجد" أعمال 17: 28.

 

     كان على آدم وحواء ان يمتنعا عن التناول من اثمار شجرة معرفة الخير والشر، وبهذا يعترفان بملكية الله. كثيرون يقولون: " لماذا تطلع ادم وحواء الى الشجرة وأكلا منها ولو كنت انا في الجنة لأطعت أمر الله ولأمتنعت عن مس الثمر المنهي عنها". إن الناس اليوم وفي كل العصور يجتازون بنفس التجربة فالعشر مال الله فهل أنت أمين على هذا المال فلا تصرفه مهما كنت متضايقا ماديا؟

 

11.على أي اساس يجب ان نقدم التقدمات الاختيارية؟

"كل واحد حسبما تعطي يده كبركة الرب الهك التي اعطاك" تثنية16: 17 "فانكم تعرفون نعمة ربنا سوع المسيح انه من اجلكم افتقر وهو غني لكي تستغنوا انتم بفقره" 2كورنثوس 8: 9.

 

           العشور تبين الامانة اما التقدمات فتبين السخاء وكرم النفس. إن تقدير السيد المسيح لفلسي الارملة شهادة واضحة ان الله ينظر الى روح العطاء لا الى القيمة الذاتية.

 

12. بأى روح يجب ان تقدم العشور والتقدمات ؟

"هذا وان من يزرع بالشح فبالشح ايضا يحصد. ومن يزرع بالبركات فبالبركات ايضا يحصد. كل واحد كما ينوي بقلبه ليس عن حزن او اضطرار. لان المعطي المسرور يحبه الله" 2كورنثوس 9: 6 و 7.

 

     لا أحد يحب البخيل أما الكريم السخي فهو مقبول عند الجميع وليس من الضروري أن يكون المرء غنياً ليبدي الكرم والسخاء فإن لم يكن لديك مال تنفقه على الفقراء المحتاجين فأنت لم تحرم الوقت لتقضيه مع الحزين لتؤاسيه. ولم تعدم اللسان يبدي كلام التعزية والمؤاساة لمحطم القلب ومكسور الجناح.

 

13. لماذا لم بنعم الكثيرون بالبركات التي اراد الله أن يمنحها لهم؟

"زرعتم كثيراً ودخلتم قليلاً. تأكلون وليس الى الشبع. تشربون ولا تروون. تكتسون ولا تدفأون. والآخذ اجرة يأخذ اجرة لكيس منقوب هكذا قال رب الجنود. اجعلوا قلبكم على طرقكم.. انتظرتم كثيرا واذا هو قليل ولما ادخلتموه البيت نفخت عليه. لماذا يقول رب الجنود. لاجل بيتي الذي هو خراب وانتم راكضون كل انسان الى بيته" حجي 1: 6 و 7 و 9.

 

     يشتغل الكثيرون بجد وإجتهاد، يربحون الأموال الطائلة ولا يشعرون بالبركة كأن أرباحهم تتسرب إلى كيس منقوب. لماذا؟ لأنهم تركوا بيت الله خراباً ولم يدفعوا العشور. إن مالك المسكونة ومثبت الأرض والنجوم في السماء وعد بالخيرات لمن يعيد له حصته من الأرباح. ألا تكرم الرب من كل باكورات غلتك فتمتلىء خزائنك شبعاً؟

 

تأملات روحية

          "يوجد من يفرق فيزداد أيضاً ومن يمسك أكثر من اللائق وإنما إلى الفقر" أمثال 11: 24. أمثال 11: 24. إذا كنت سخياً في العطاء فإنك تربح رضى الله وعطاياه الجمة.

 

     "أعطوا تعطوا. كيلاً ملبداً مهزوزاً فائضاً في أحضانكم. لأنه بنفس الكيل الذي به تكيلون يكال لكم" لوقا 6: 38. لوقا 6: 38. ذا لم تكن بعد قد إتبعت خطة التعشير فلا بد وأن ترى بركة في إتخاذ هذه الخطة مبتدئاً اليوم بتقديم ما هو حق الله. إننا نحتاج إلى الإيمان بمواعيد الله الصادقة إيماناً حياً بالمعنى الحرفي.

 

     قال أحد المسافرين المسيحيين بعد أن نجا من الغرق عندما كانت الباخرة فرنسس فيلبار تحترق على سطح البحر: "أمراً واحداً إفتكرت به في ساعة الخطر وهو خلاص نفسي وخلاص شقيقتي. أما ثروتي البالغة نصف مليون ليرة فما إفتكرت بها وقد كانت تحت وسادتي. حياتنا فقط كانت كل مطمحي".

 

     سريعاً جداً ويتطهر العالم من الخطية وعندئذٍ أين تصبح الثروات والأرباح والمخزونات الفضية والذهبية؟ كلها تصير إلى الفناء ولا نفع يرجى منها البتة فلماذا لا نكترث أكثر وأكثر للأمور الباقية فنضع الله والأبدية في المركز الأول في هذه الحياة؟

 

صلاة

     كن يا رب مساعداً وحافظاً لي واجعلني أن أقدمك على كل شيء لأن كل شيء هو من إنعاماتك. أعطني يا رب روح السخاء ونعمة القبول ومُدني ببركاتك الغزيرة باسم يسوع الفادي. آمين.