الدرس السادس: كيف ننجو من الشكوك؟

"لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان" 2كورنثوس 5: 7

 

     "لا ضرورة أن تصلي من أجلي فأنا لا أؤمن بالله ولا بالصلاة". بهذه العبارة الجافة نطق إنسان غائص في وحلة الخطية وعبدٌ لعاداته القبيحة. لم تمضِ بضعة أشهر حتى توارى هذا الرجل في قبره المظلم منتحراً لشدة حالته البائسة.

 

     "لن يغفر الله خطاياي وعبثاً حاولتُ نيل الغفران فلم أفلح كأن يسوع لا يستطيع خلاص نفسي المتورطة في الشر". هذه الكلمات خرجت من شفتي امرأة وهي تحضر خدمة إنعاش روحي.

 

     كثيرون هم المتألمون في ظلمة الشكوك وعدم الإيمان ولمثل هؤلاء نوجه درسنا هذا المعطي رجاءاً لمقطوع الرجاء فإنه مرساةٌ لذوي الإيمان المتزعزع.

كيف أعرف أن خطاياي قد غُفرت

1. ما هو الوعد الشامل كل الخطايا المعترف بها؟

"إن إعترفنا بخطايانا فهو أمينٌ وعادلٌ حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم" 1يوحنا 1: 9. يشمل هذا الوعد الجميع كما أنه يخص الأفراد حتى لو لم يكن خاطىء سواك في العالم لجعل الله تحقيق الوعد من أجلك وحدك.

 

     يدّعي الشيطان "المشتكي على الإخوة" وانه لمن خططه المرسومة إيقاع الناس في الشكوك فهو يسعى أبداً لإيهام الذين اعترفوا بخطاياهم أنها لن تُغفر لأنهم تورطوا كثيراً جداً في الشر. إعتبر أن ما ورد في الآية التي ذكرناها يعنيك أنت وستجد فيها سلاماً وراحة وفرحاً لنفسك المثقلة بالخطية فتزول كل الشكوك والغموم.

 

2. كيف نعرف أن لنا الغفران؟

"لذلك أقول لكم كل ما تطلبونه حينما تُصلون فآمنوا أن تنالوه فيكون لكم" مرقس 11: 24. "لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان" 2كورنثوس 5: 7. "فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلامٌ مع الله بربنا يسوع المسيح" رومية 5: 1. يشتاق يسوع أن يكتنف الخاطىء ضمن ربط محبته الغافرة وهو لا بد أن يقبل توبتك ويغفر زلاتك.

 

     كان ينتظرك بشوق وحنان قبل توبتك والرجوع إليه. "تراءى لي الرب من بعيد. ومحبةً أبديةً أحببتك من اجل ذلك ادمتُ لك الرحمة" ارميا 31: 3. سنذكر آيتين لأننا نجد فيهما إثباتاً على أن الله يغفر خطايانا عندما نطلب الغفران:

"الذي لم يشفق على إبنه بل بذله لأجلنا أجمعين كيف لا يهبنا معه كل شيء" رومية 8: 32. "سلاماً أتركُ لكم سلامي أُعطيكم. ليس كما يعطي العالم أُعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب" يوحنا 14: 27.

 

3. ما التوضيح المبين في الكتاب المقدس عن رغبة الله في غفران خطايا الخاطىء التائب؟

"كما يترأف الأب على البنين يترأف الرب على خائفيه" مزمور 103: 13. لربما تحتج قائلاً: "إنني لا أشعر بالغفران، أُصلي ولا أزالُ أشعر إنني تحت دينونة بسبب خطاياي" فالغلطة فيك. لأن الله يؤكد لك الغفران وستر الذنوب وهو لا يكذب. أما إذا أنت لم تقبل مواعيده حسب الإتفاق- التوبة من جهتك والغفران من جهته- وتؤمن بها فكأنك تشك في اقواله الإلهية ومواعيده الصادقة. لماذا تجرح قلباً يحِنُّ لأجل خلاصك وغفران زلاتك وفدائك؟

 

     لو اذنب ولدٌ ثم أتى إلى أبيه الحنون بدموعٍ يطلب المغفرة فماذا يا ترى يكون موقف ذلك الوالد؟ لا شك أنه يعفو عن إبنه بسرور. تصور موقف ذلك الأب إذ يسمع ولده يشكو لأحد رفقائه قائلاً "لقد اذنبتُ وطلبتُ الصفح من أبي فوعد بالعفو أما أما فلستُ متأكداً من وعده ولا أزال أشعر أنه سينتقم مني لهذا تراني تعيساً جداً".

 

     كم من مؤمن يدّعي المسيحية وهو يشتكي مثل هذا الولد المضطرب المتأرجح بين الشك واليقين. اعلم أن التوبة الحقيقية تمنحك الغفران الأكيد فلا تفسح للشيطان مجالاً لبلائك ورميك بالشكوك في مواعيد الله فالغفران ممنوح لك أنت فكن واثقاً بهذا الوعد الصريح.

 

4. كيفية الرسوخ بالإيمان في كلمة الله

     "أإلى عمق الله تتصل أم إلى نهاية القدير تنتهي. هو أعلى من السموات فماذا عساك أن تفعل. أعمق من الهاوية فماذا تدري" أيوب 11: 7 و8. "يالعمق غنى الله وحكمته. ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الإستقصاء" رومية 11: 33. ليس من الضروري أن يفهم المرء عمق أسرار الله ليكون له الإيمان بيسوع.

 

5. هل ينبغي أن شك المرء أو يأس لأنه يستصعب فهم بعض الآيات الواردة في الكتاب المقدس؟

"كما في الرسائل كلها أيضاً متكلماً فيها عن هذه الأمور التي فيها أشياء عسرة الفهم يُحرفها غير العلماء وغير الثابتين كباقي الكتب أيضاً لهلاك أنفسهم" 2بطرس 3: 16. وجد بطرس في كتابات بولس بعض الأشياء عسرة الفهم، لكن إيمانه لم يتزحزح البتة عن أن هذه الكتابات كانت من وحي الله.

 

     لا شك أن الرموز التي تظهر لك في كتاب الرياضيات معقدة عسرة الفهم في البداءة تنجلي أمامك رويداً رويداً على مدى أيام الدراسة. هكذا ستنجلي في كلمة الله كل الأمور الغامضة. عليك الآن أن تتبع النور المضيء أمامك وتثابر على المطالعة والصلاة فتنقشع غيوم الجهل تلقائياً أمام أمانتك وإخلاصك لإله السماء وستعرف ما لم تعرفه من عمق أسرار الله وأحكامه. أما الآن فلا تعثر ببعض الأشياء العسرة الفهم.

 

6. كيف يبرهن الله أن الكتاب المقدس هو رسالته للناس الموحى بها؟

"ليقدموها (الحجج) ويخبونا بما سيعرض. ما هي الأوليات. أخبرونا فنجعل عليها قلوبنا ونعرف آخرتها. أو أعلمونا المستقبلات. اخبروا بالآتيات فيما بعد فنعرف إنكم آلهة وافعلوا خيراً أو شراً فنلتفت وننظر معاً" اشعياء 41: 22 و 23. "مخبرٌ منذ البدء بالخير ومنذ القديم بما لم يُفعل قائلاً رأيي يقوم وأفعل كل مسرتي" اشعياء 46: 10. يطلب الله إلى الجميع أن يلتفتوا إلى النبوات الواردة في الأسفار المقدسة ليروا فيها البراهين الواضحة.

 

7. ما هي النبوة الجديرة بالإعتبار عن صور والتي تشهد لوحي كلمة الله؟

     يجدر بنا أن نلتفت إلى النبوات الواردة في الأسفار المقدسة لكي نرى البراهين الواضحة على ما جاء فيها إن هو إلا رسالة حية للناس موحى بها من الله علام الغيوب.

"فيخربون أسوار صور ويهدمون أبراجها وأسحي ترابها عنها وأُصيرها ضح الصخر. فتصير مبسطاً للشباك في وسط البحر لأني أنا قد تكلمتُ يقول السيد الرب وتكون غنيمة للأمم" حزقيال 26: 4 و5. "وينهبون ثروتك ويغنمون تجارتك ويهدّون اسوارك ويهدمون بيوتك البهيجة ويضعون حجارتك وخشبك وترابك في وسط المياه. واصيّرك كضحّ الصخر فتكونين مبسطا للشباك. لا تبنين بعد لاني انا الرب تكلمت يقول السيد الرب" حزقيال 26: 12 و 14.

 

     تكلم حزقيال عن صور في نبوة واضحة في أوج عظمتها مرفأً علمياً ذائع الصيت والشهرة فلا تضاهيه أهم المرافىء في ذلك العصر البعيد. وبعد هذه النبوة تواً غزا نبوخذنصر مدينة صور وهدمها ولكن لم تتم النبوة في عصره تماماً. ففي سنة 332 قبل المسيح هاجمها الإسكندر الكبير وكانت عندئذٍ مبنية على جزيرة قريبة من البر، ولما لم يكن لذلك القائد اسطول بحري أمر ببناء ممر يوصل الجزيرة بالبر فردمت رجاله حجارة المدينة القديمة في البحر وجعلت البقعة التي قامت علها صور القديمة كضخ الصخر واليوم يبسط الصيادون شباكهم على هذه الأرض البلقع.

 

     يقول النبي "لا تبنين بعد". كم من مدينةٍ تهدمت ثم بُنيت أعظم مما كانت عليه قبلاً. أما صور فلم ترجع إلى عظمتها القديمة ولا بُنيت بعد سقوطها وخربها إتماماً لقول النبوة التي ذُكرت عن هذا الخراب أكثر من مئتين وخمسين سنة قبل وقوعه، إننا نرى لنا من هذه النبوة دليلاً لصحة كلمة الوحي حتى لا يعترينا الشك في ما جاء في الكتاب.

 

8. ما هي شهادة أنقاض أشقلون لصحة النبوات بالتدقيق؟

"وأشقلون لا تُسكن" زكريا 9: 5. في منطقة أشقلون مدن قديمة لا تزال زاهية اليوم، أما في أشقلون فليس من ساكنٍ البتة ففي قفرها ووحشة أنقاضها شهادة صامتة لدقة النبوة الإلهية ووحي الكتاب الأكيد.

 

9. ما هي شهادة بابل لصحة نبوات الكتاب المقدس؟

"وتصير بابل بهاء الممالك وزينة فخر الكلدانيين كتقليب الله سدوم وعمورة. لا تُعمر إلى الأبد ولا تُسكن إلى دور فدورٍ. ولا يخيم أعرابي ولا يربض هناك رعاة" اشعياء 13: 19 و 20. "فلا ياخذون منكِ حجر لزاوية ولا حجراً لأساس بل تكون خراباً إلى الأبد يقول الرب... وتكون بابل كوماً ومأوى بنات آوى ودهشاً وصفيراً بلا ساكن... هكذا قال رب الجنود إن أسوار بابل القديمة تدمر أبوابها الشامخة تحرق بالنار" ارميا 51: 26 و 37 و 58.

 

     الناظر إلى بابل في عصرها الذهبي، والمتأمل بحصونها المنيعة وبأسوارها الضخمة البالغة فوق الثلاثمائة قدم في الإرتفاع والواقف على قوتها الحديدية لا يعتقد أن مملكة كهذه يمكن أن تبيدها الأيام أو تسطو عليها ضربات الزمان. أما وقد نطق عليها الرب بالخراب بلسان النبوة فدّكّت حصونها وتهدمت أسوارها وخربت قصورها وتلاشت قوتها بعد نبوتي اشعياء وارميا بسنوات قليلة وأصبحت كوماً من التراب،  وابوابها وسقوف علاليها الخشبية رماداً يذريه الريح في كل الجهات. فما يسكنها إلا وحوش البرية وطيور السماء المفترسة فالأنس والحياة مفقودان لا أثر لهما فيها. حتى الأعرابي لا يُخيم هناك. وإن خَيَّمَ فلوقتٍ قصير ثم يرحل، بابل المتعجرفة لن تُبنى لأن الله قضى عليها بالخراب الأبدي ولا مرد لحكم الله ولنبوات أنبيائه.

 

10. مَن سحق بابل هذه السحقة المحطمة؟

"القائل للجةٍ إنشفي وأنهارك أُجفف. القائل عن كورش راعيَّ فكل مسرتي يتمم" اشعياء 44: 27 و 28. "هكذا يقول الرب لمسيحه لكورش الذي أمسكتُ بيمينه لأدوسَ أمامه أمماً، وأحقاء ملوكٍ أحلُ لأفتح أمامه المصراعين والأبواب لا تُغلق. أنا أسير قدامك والهضاب أُمهد. أكسر مصراعي النحاس ومغاليق الحديد أقصف وأُعطيك ذخائر الظلمة وكنوز المخابىء لكي تعرف إني أنا الرب الذي يدعوك بإسمك إله إسرائيل" اشعياء 45: 1-3. وهذه النبوة أيضاً هي من غرائب الوحي. تنبأ اشعياء عن كورش قبل ولادته بمئة وخمسين سنة وسمّاهُ بإسمه وقال أنه هو الذي يهدم بابل ورسم خطة الهجوم بجفاف النهر وفتح الأبواب الداخلية. فهل يشُّك أحدٌ في كلمة الوحي بعد هذه الحقائق النبوية؟

 

11. كيف أعرف أن الله يعتني بي؟

أ. النجوم تشهد لقوة الله الحافظة غي المحدودة. "السموات تُحدث بمجد الله. والفلك يُخبر بعمل يديه" مزمور 19: 1. "ارفعوا إلى العلاء عيونكم وانظروا مَن خلق هذه. مَن الذي يُخرج بعددٍ جندها. يدعو كلها بأسماءٍ لكثرة القوة وكونه شديد القدرة لا يُفقد أحدٌ. لماذا تقول يا يعقوب وتتكلم يا إسرائيل قد اختفتْ طريقي عن الرب وفات حقي إلهي" اشعياء 40: 26 و 27.

 

ب. الله الذي يعتني بالعصافير والزهور يعتني بك أنت أيضاً. "تأملوا الغربان. انها لا تزرع ولا تحصد وليس لها مخدع ولا مخزن والله يقيتها. كم انتم بالحري افضل من الطيور.. فان كان العشب الذي يوجد اليوم في الحقل ويطرح غدا في التنور يلبسه الله هكذا فكم بالحري يلبسكم انتم يا قليلي الايمان. فلا تطلبوا انتم ما تأكلون وما تشربون ولا تقلقوا. فان هذه كلها تطلبها امم العالم. واما انتم فابوكم يعلم انكم تحتاجون الى هذه. بل اطلبوا ملكوت الله وهذه كلها تزاد لكم" لوقا 12: 24 و 28-31.

 

     الله الذي يقود الشموس في مدارها ويقوت الطيور ويسقي الزهور ويرفع أمماً ويُذلُ أخرى هو يعتني بك في كل حاجاتك ويدعوك قائلاً: "تعال إليَ" أفلا تثق بكلامه؟

 

تأملات روحــــــية

"متى جاء إبنُ الإنسان ألعله يجد الإيمان على الأرض" لوقا 18: 8. يتطلب الأمر كثيراً من الإيمان لأن الشيطان يعمل أبداً على إقصاء الشعور برحمة الله الغافرة وفي مثل هذه المهاجمات ليكن إيماننا بالمسيح راسخاً لصد العدو عن الفتك بنا.

 

     كلمة الله يقاومها من كل جهة العلماء الخاضعون للبراهين العقلية الحسية والناقمون على كل ما لا يدركونه في الكتاب المقدس. يقاومها القادة الكذبة. الهادمون إيمان المؤمن بكلمة الله الثابتة غير المزيفة. وأنت متى جاء إبن الإنسان ألعله يجد في قلبك الإيمان بكلمته ومواعيده؟ كثيرون يتساءلون في الضيق والآلام وقلق الأفكار قائلين: "أيهتم بنا الله؟ أيحفظنا من العثرة؟". إن من يقوت الطيور ويعتني بعشب الحقل ويدير الشموس والكواكب السيارة في مدارها لن ينساك طالما أنت تحتفظ بالإيمان إلى أن يرجع.

 

صـــــلاة

     أيها الرب الإله إنني أؤمن أنك تعين عدم إيماني وتقويني في ضعفاتي بقوتك المخلصة. وعدتَ أنك تعتني بي وتحفظني فزد إيماني بك وبمواعيدك إكراماً للمسيح المخلص آمين.