الدرس الثامن عشر: محاربة الشيطان للوصايا

"كل من يفعل الخطية يفعل التعدي أيضاً. والخطية هي التعدي" 1يوحنا 2: 4

     لم يتحقق قصد الله لبني إسرائيل لأنهم رفضوا يسوع مخلصاً من الخطية وجاء فشلهم هذا ثمرة لأمتناعهم عن إكرام الله بحفظ وصاياه أجيالاً طويلة. وإن لم يحترس شعب الله اليوم يفشلون فشل إسرائيل بالأمس، وتفادياً من ذلك نشدد في هذه الدروس، الماضي منها والآتي، على أهمية قبول المسيح مخلصاً شخصياً. أما في درسنا هذا أي الدرس الثامن عشر فالبحث يدور على خطر الضلال الناتج عن مهاجمة إبليس وصايا الله العشر مهاجمة يخدع بها كثيرين من ذوي الإخلاص.

 

لا غنى عن الشريعة

1. ما القصد من الشريعة؟

"لأن بالناموس معرفة الخطية" رومية 3: 20. "كل من يفعل الخطية يفعل التعدي أيضاً. والخطية هي التعدي" 1يوحنا 2: 4.

 

     إن شريعة الله- الوصايا العشر- تكشف عن الخطية. والشيطان يعرف حق المعرفة أنه إذا تمكن من طمس الشريعة يجعل المسيحي كالضائع لا يميز الحق من الباطل. لقد إحتال هذا العدو ليبطل مفعولية الوصايا وكان نجاحه كبيراً.

 

"توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت" أمثال 16: 25. ليست أفكارنا وليست معتقداتنا بالحق والبطل قياساً صحيحاً، أما حق الله وحده وفي وصاياه وحدها لنا الأمان والإطمئنان.

 

2. لا تستغني الحكومة عن القانون

     كل حكومة تسن لنفسها قوانين يسير بموجبها رعاياها. وهذه القوانين تكون لتلك الحكومة نظامها الأمثل. وكل منظمة لها مطالب خاصة فإذا سار أعضاؤها بموجب أنظمتها ساد بينهم الترتيب والألفة. إن الشرائع تعم جميع المنظمات التجارية حتى إنك لتجدها في العائلة لتوحيدها إذا ما روعيت وعرف كل واحد واجباته تجاه الآخر.

 

     الترتيب والإنتظام ضروريان بين العالم وفي الكون. ولا يمكن بلوغ هذا التناسق إلا بإحترام القوانين الثابتة والمبادىء الأساسية لحكومة الله بين البشر التي هي الوصايا العشر دستورها الأكمل. (خروج 20: 3-17)

 

     بهذه الشريعة "معرفة الخطية" (رومية 3: 20)، وبالإمتثال لها تجد العائلة البشرية الترتيب والنظام. كلما إقتربنا من يسوع كلما ثبتنا في شريعته (رومية 3: 31).

 

3. القياسات الثابتة ضرورية جداً في الحياة

     تأمل كم كان يحصل من التشويش لولا وحدة المتر في القياسات والكيلو في الأوزان واللتر في المكاييل والدرجة في قياس الحرارة. أو ليس إذن من الضرورة الواجبة أن يوجد الله قياساً أدبياً يسير عليه البشر؟ إننا لنجد في الوصايا العشر ذلك القياس الإلهي السماوي.

 

     منذ العصيان على حكومة الله وإبليس يحاول الحط من قدر الوصايا فيغير منطوقها ويبدل معانيها ويحذف منها ما يجعل الحق غائصاً في بحر من الأوهام. إن ميزان الله لعرفة الحق من البطل لا يحتمل تبديلاً وحذفاً وتغييراً. هو ثابت كصانعه قياساً لا تمحوه طوال الأجيال.

 

الشريعتان

4. ما هما الشريعتان المذكورتان في كتاب الله؟

"ولا اعود أزحزح رجال اسرائيل من الارض التي اعطيت لآبائهم وذلك اذا حفظوا وعملوا حسب كل ما اوصيتهم به وكل الشريعة التي امرهم بها عبدي موسى" 2ملوك 21: 8. "وكل اسرائيل قد تعدى على شريعتك وحادوا لئلا يسمعوا صوتك فسكبت علينا اللعنة والحلف المكتوب في شريعة موسى عبد الله لأننا اخطأنا اليه" دانيال 9: 11.

 

     يتضح جلياً من هذين العددين أعلاه أن هنالك شريعتين: الأولى شريعة الله أو الوصايا العشر والثانية شريعة موسى.

 

5. شريعة موسى

     الشريعة الموسوية كتبت بكتاب ووضعت بجانب التابوت :"فعندما كمل موسى كتابة كلمات هذه التوراة في كتاب الى تمامها. أمر موسى اللاويين حاملي تابوت عهد الرب قائلاً خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب الهكم ليكون هناك شاهدا عليكم" تثنية 31: 24-26.

 

     كانت تشمل هذه الشريعة القوانين المدنية والطقسية والصحية لمملكة إسرائيل كما نرى في (خروج 21 و 22 وعدد 18). وكانت تشمل أيضاً التعليمات المطولة بخصوص الذبائح كما نرى في (لاويين 7: 37 و 38) وتقدمات البخور والسبوت السنوية والأعياد كما نرى في (لاويين 23: 5 و 24 و 32 و 39) إلخ.

 

     هذه الفرائض والطقوس كانت تشير إلى الصليب لأنها بلغت حدها على الصليب وتوارت بموت المسيح المرموز بها إليه. وبما أن إسرائيل لم تذعن للقوانين الإلهية فقد حرمت حكومته من حضرة الله. وإنتهت مع هذا الحرمان الشرائع المدنية بزوال الأمة اليهودية وذلك بعد موت المسيح بزمن قليل.

 

     أما البرهان بأن شريعة موسى قد بلغت غايتها على الصليب فواضح من قول الرسول بولس:

"اذ محا الصك الذي علينا في الفرائض الذي كان ضدا لنا وقد رفعه من الوسط مسمرا اياه بالصليب. اذ جرد الرياسات والسلاطين اشهرهم جهارا ظافرا بهم فيه. فلا يحكم عليكم احد في اكل او شرب او من جهة عيد او هلال او سبت التي هي ظل الامور العتيدة اما الجسد فللمسيح" كولوسي 2: 14-17. "مبطلاً بجسده ناموس الوصايا في فرائض لكي يخلق الاثنين في نفسه انساناً واحداً جديداً صانعاً سلاماً" أفسس 2: 15. "ليس الختان شيئاً وليست الغرلة شيئاً بل حفظ وصايا الله" 1كورنثوس 7: 19.

 

     لسنا بعد مقيدين بالشريعة الموسوية المدنية، ولا بالطقوس الدينية، ولا بالتقدمات والذبائح الرمزية، ولا بالسبوت والأعياد والأهلة السنوية التي هي ظل الأمور العتيدة. جاء المسيح وكمل كل هذه الرموز على الخشبة ولم يبق علينا إلا أن نحفظ وصايا الله معرضين عن شريعة موسى وملتصقين بشريعة الله الثابتة الى الابد.

                                   

6. شريعة الله

           كتبت هذه الشريعة بيد الله على لوحي حجر "ثم اعطى موسى عند فراغه من الكلام معه فى جبل سيناء لوحي حجر مكتوبن بأصبع الله" خروج31 : 18 "فانصرف موسى ونزل من الجبل ولوحا الشهادة فى يده. لوحان مكتوبان على جانبيهما. من هنا ومن هنا كانا مكتوبين. واللوحان هما صنعة الله و الكتابة كتابة الله منقوشة على اللوحين" خروج 32 :15 و16

 

         ما عهد الله الى احد فى كتابة الشريعة السرمدية- القياس الكامل للبر. يده البارة لا سواها خطّت نقوشها على لوحي الحجر، على اللوح الأول كانت الوصايا الأربع الأولى تتضمن واجبنا نحو الله وعلى اللوح الثاني الوصايا الست الباقية وتتضمن واجباتنا نحو القريب. ويسوع لخّص هذه الشريعة الإلهية في مبدأين أوليين قائلاً أنه بهما "يتعلق الناموس كله والأنبياء" قابل متى 22: 35-40 مع تثنية 6: 5 ولا ويين 19: 18.

 

     وهذان اللوحان اللذان كتبت عليهما الوصايا الأدبية وُضعا داخل التابوت "وتضع في التابوت الشهادة التي أعطيك" خروج 25: 16 (راجع أيضاً خروج 31: 18).

 

            في أقدس مكان على الأرض وضعت هذه الوصايا المكتوبة بأصبع الله. فهي مقدسة ثابتة لا تقبل التغيير والتبديل مهما تلاعبت بها أيدي العابثين ومهما جربت السلطات أن تحرفها. هي هي تلك الوصايا التي قال عنها المسيح: "ولكن زوال السماء والارض ايسر من ان تسقط نقطة واحدة من الناموس" لوقا 16: 17 نعم، وأبناء الله الحقيقيون سيحفظون شريعة الله إلى منتهى الدهور.

المقابلة بين الله تعالى وشريعته

7. عندما نقارن الشريعة وميزاتها بالله وميزاته نجد مماثلة لا يمكن ثلمها البتة فندرك حالاً أن شريعة الله لن تنقض أبداً. وإليك بهذه المقابلة:

 

ميزات الشريعة وميزات الله

الله

الميزة

شريعته

يوحنا 4: 24

روح

رومية 7: 14

1يوحنا 4: 8

محبة

متى 22: 37-40

تثنية 32: 4

عدل وحق

مزمور 119: 142

1كورنثوس 1: 30

عدل وبر

مزمور 119: 142

اشعياء 6: 3

قداسة

رومية 7: 12

متى 5: 48

كمال

مزمور 19: 7

مزمور 90: 2

ثبات ابدي

مزمور 111: 7 و 8

 

     وبولس رسول الأمم ومقدام البشارة بعهد جديد يصف شريعة الله الخالدة بقوله: "إذاً الناموس مقدس والوصية مقدسة وعادلة وصالحة" رومية 7: 12.

 

كراهية الشيطان للشريعة

8. على من يصوب الشيطان في الأيام الأخيرة سهامه الحادة؟

"..ويل لساكني الارض والبحر لان ابليس نزل اليكم وبه غضب عظيم عالماً ان له زمانا قليلا.. فغضب التنين على المرأة وذهب ليصنع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله وعندهم شهادة يسوع المسيح" رؤيا 12: 12 و 17.

 

     نجد في رموز الكتاب المقدس أن الكنيسة يكنى عنها بالمرأة. والكنيسة الأخيرة تتميز عن سواها في أنها تحفظ وصايا الله. فعلى هؤلاء الذين يحفظون الشريعة يصوب الشيطان سهام النقمة بأفظع شكل.

 

9. لماذا يقاوم بعض المدعين بالمسيحية سلطة شريعة الله؟

"لأن اهتمام الجسد هو عداوة للّه اذ ليس هو خاضعا لناموس الله لانه ايضاً لا يستطيع" رومية 8: 7

 

     إن إبليس هو مصدر العصيان والخطية وكل من يعصي على وصايا الله فهو لا يزال متمسكاً بإهتمام الجسد ولذلك هو تحت سيطرة الشيطان. للشيطان وأتباعه علامة فارقة تميزهم عن الآخرين ألا وهي الكراهية لشريعة الله، ناموس الحق والإستقامة؛ إذا تحرر المرء من قيود إبليس الرجيم فعندئذٍ يستطيع أن يعيش راضياً وعاملاً بموجب وصاياه.

 

إكرام المسيح للشريعة

10. أية نبوة سابقة عن علاقة المسيح بشريعة الله أتم يسوع في حياته؟

"الرب سُرَ من أجل بره. يعظم الشريعة ويكرمها" اشعياء 42: 21.

 

     عاش المسيح على الأرض كإنسان وكان يعظم الشريعة بالقول والفعل صائراً لنا مثال الطاعة لوصايا الله والعمل برضاه. "إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي كما إني أنا قد حفظت وصايا ابي وأثبت في محبته" يوحنا 15: 10.

 

11. كيف نعلم أن المسيح يطلب وينتظر من اتباعه أن يسيروا وراء مثاله في الطاعة لوصايا أبيه المقدسة؟

"إن كنتم تحبونني فإحفظوا وصاياي" يوحنا 14: 15 "لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء. ما جئت لانقض بل لاكمّل. فاني الحق اقول لكم الى ان تزول السماء والارض لا يزول حرف واحد او نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" متى 5: 17 و 18. "فقال له لماذا تدعوني صالحا. ليس احد صالحا الا واحد وهو الله. ولكن ان اردت ان تدخل الحياة فاحفظ الوصايا" متى 19: 17.

 

     حفظ المسيح الوصايا العشر وينتظر من اولاده أن ينسجوا على منواله. ونرى من جوابه للشاب أن الحياة الأبدية متوقفة على حفظ الوصايا بدليل قوله "فإحفظ الوصايا... وإتبعني". إن المسيحي الذي يتبع هذين الإرشادين السابق ذكرهما فليتأكد من نيل الحياة الأبدية بناء على ما جاء في سفر الرؤيا: "هنا صبر القديسين هنا الذين يحفظون وصايا الله وايمان يسوع" رؤيا 14: 12 "طوبى للذين يصنعون وصاياه لكي يكون سلطانهم على شجرة الحياة ويدخلوا من الابواب الى المدينة" رؤيا 22: 14.

 

 

النصرة بيسوع فقط

12. بأية طريقة يستطيع المسيحي أن يصل إلى قياس الكمال السماوي؟

"والقادر ان يحفظكم غير عاثرين ويوقفكم امام مجده بلا عيب في الابتهاج" يهوذا 24. "وبهذا نعرف اننا قد عرفناه ان حفظنا وصاياه.. من قال انه ثابت فيه ينبغي انه كما سلك ذاك هكذا يسلك هو ايضاً" 1يوحنا 2: 3 و 6 "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" فيلبي 4: 12 "فمن ثم يقدر ان يخلّص ايضا الى التمام الذين يتقدمون به الى الله اذ هو حيّ في كل حين ليشفع فيهم" عبرانيين 7: 25.

 

     بالإيمان في يسوع فقط يستطيع المسيحي ان يبلغ إلى المطالب الإلهية. لا تتوهم من كمال المبادىء السماوية فإن كنت غير قادر للسير بموجبها فهنالك يسوع الذي فيه تستطيع "كل شيء" هو قادر ان يحفظك من العثرات ويخلصك إلى التمام ويعولك أيضاً لتسلك كما سلك هو.

 

في سكون الشركة مع الله

"ناظرين الى رئيس الايمان ومكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع امامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله" عبرانيين 12: 2. يسوع هو ذلك المخلص الذي عندما وجدنا غارقين في الخطية وبدون رجاء وضع نفسه بالخزي. ما أعظم هذه المحبة!

 

     لقد اشتكى الشيطان أن الشريعة غير عادلة لأنها أعسر من ان يحفظها الإنسان فنزل المسيح من السماء ولبس الناسوت وعاش على الأرض يحفظ مطاليب الوصايا فأطاع ولم يسقط واخيراً صار هذا البار برنا نحن الخطاة.

 

     الجميع فسدوا وزاغوا عن طريق الحق واستحقوا الموت ولكن المسيح اشترى لنا الحياة الأبدية بدمه الطاهر. الخطية هي التعدي على وصايا الله وهذا التعدي أنزل الشيطان من السماء العالية.

 

     المسيح يكره الخطية ولكنه يحب الخطاة الذين يقبلون إليه ملتمسين الخلاص بدمه. أجرة الخطية هي موت. أما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا.

 

صلاة

     أيها الآب الحنون إنني اشكرك لأجل الهداية والمحافظة على حياتي الروحية. ثَبّتْ خطواتي واضىء عليَ بروحك البهي لأرى أمام عيني مراحمك فأسير على الطريق الملطخ بدم يسوع الفادي، طريق الطاعة والتسليم واكتب يا رب شريعتك في قلبي باسم ابن محبتك يسوع الفادي آمين.