الدرس الخامس: التوبة، الاعتراف، الغفران

"إن إعترفنا بخطايانا فهو أمينٌ وعادلٌ حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم" 1يوحنا 1: 9

 

ليس في التجديد تعقيد ولا في المسيحية صعوبة كما يوهم الشيطان الناس. قال يسوع: "الحق أقول لكم إن ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات" متى 18: 3.

 

     ليست الفلسفة أساساً للتوبة والتجديد ولا اللاهوت واسطة للخلاص بل بالحري بساطة الإيمان بيسوع على شكل إيمان الأولاد بوالديهم. فليس من وسيلة لدخول السماء إلا بالإيمان الحي والثقة الصادقة والطاعة الكاملة. شكراً لله الذي جعل هذا الإيمان البسيط في متناول الجميع.

 

إنقاذ الجمــــــــيع

1. أي نوعين من الناس يخلصهم المسيح؟

"إن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا" 1تيموثاوس 1: 15. "يعلم الرب ان ينقذ الأتقياء من التجربة" 2بطرس 2: 9. يتبين إذ ذاك أن الخلاص يشمل الخاطىء والتقي على السواء.

 

أولاً: جاء المسيح ليخلص الخطاة وبوسعه أن يخلصهم جميعاً مهما بلغت خطاياهم من العدد أو الخطورة. وكل ما يطلبه من الخاطىء هو القبول والتسليم فهو ابداً على شوق لتحريره من العبودبة الغاشمة. لماذا لا تغتنم الفرصة أيها العبد التائه وتقبل هذا الخلاص الثمين مجاناً؟

 

ثانياً: يقدر المسيح أن يحفظ الذين سلموا أنفسهم له بكاملها وهو ينجيهم من ساعة التجربة. ألم يُعلم أتباعه أن يصلوا قائلين: "ولا تدخلنا في تجربة" متى 6: 13.

 

2. كيف يؤكد لنا يسوع الخلاص والسلام؟

"فإن حرركم الإبن فبالحقيقة تكونون أحراراً" يوحنا 8: 36. "تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أُريحكم. احملوا نيري عليكم وتعلموا من لأني وديعٌ ومتواضع القلب فتجدوا راحةً لنفوسكم" متى 11: 28-30.

 

     هذه الآيات هي لك ولكل إمرىءٍ حرره المسيح. يسعى الشيطان أن يضل الناس فيهمس في نفوسهم بأنهم باقون في أسر الخطية ولكن بالحقيقة هم أحرار. عندما يتحقق الإنسان أنه تحرر من حمل الخطية السالفة يبتهج في خدمة الرب ويحمل الصليب بفرح لأنه خفيف بالنسبة إلى الخطية التي كان يرزح تحت عبئها. تعلمنا في الدرس السابق وجوب الشعور بالحاجة المُلِّحة إلى معونة الله قبل السعي لنيل الخلاص. ولندرس الآن الخطوات التي نسلكها لتحريرنا من الخطايا الماضية. إن كل من يسير بموجب هذه الخطوات يصل لا محالة إلى الصليب حيث يجد الخلاص الموهوب بلا ثمن ولا يهلك إلا من قاوم جاذبية المسيح.

 

 

التوبــــــــــــة

3. أية خطوة جوهرية لا بد من إتخاذها ليستطيع الخاطىء أن يخلص؟

"فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس" أعمال 2: 38. "فتوبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تأتي أوقات الفرج من وجه الرب" أعمال 3: 19.

 

     حينما يشعر الخاطىء بإحتياج إلى نعمة الله فمن واجباته الأولى أن يتوب. إن التوبة هي الحزن على الخطية والرجوع عنها ولا يعمل بعد الآن مشيئة الجسد بل يغير عاداته السيئة ومسرات قلبه النجس فلا يعصي وصايا الله كما فعل قبلاً. "أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته غير عالمٍ أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة" رومية 2: 4.

 

     يحدث تغيير في قلب الخاطىء إذ يرى المسيح... يشتاق إلى الإقتراب منه وفوراً يدير وجهه إلى الجهة المعاكسة لسيره ثم يتقدم بخطىً ثابتة نحو المسيح الذي يغفر خطاياه. وهذا الدوران أو تغيير وجهة السير في حياة الخاطىء هو قبول قوة المسيح التي تمكنه أن يترك عاداته السالفة ومسرات قلبه الخاطئة وعصيانه السابق ويتجه نحو يسوع والخلاص.

 

4. أية دعوةٍ حارةٍ يقدمها الله لغير التائبين؟

"قل لهم حيٌ أنا يقول السيد الرب إني لا أُسَرُ بموت الشرير بل بأن يرجع الشرير عن طريقه ويحيا. ارجعوا ارجعوا عن طرقكم الرديئة فلماذا تموتون" حزقيال 33: 11. " من أجل ذلك أقضي عليكم يا بيت إسرائيل كل واحد كطرقه يقول السيد الرب. توبوا وارجعوا عن كل معاصيكم ولا يكون لكم الإثم مهلكةً" حزقيال 18: 30. فياليت الجميع يقبلون دعوة الله ويتوبون ويرجعون فلا يكون لهم الإثم مهلكة.

 

     المرء العنيد المزدري بالدعوة والمرء المرتد المهمل لا يبلغان الخلاص ما لم يرجعا عن طريقهما القديمة بتوبة صادقة وروح منكسرة. ولا فرق في عظم الجرم فالمختلس القليل والسارق الكثير كلاهما في حاجة ماسة إلى التوبة الحقيقية وترك الخطايا السابقة التي أبعدتهما عن الله الحي.

 

5. ماذا قرر الإبن الضال؟

"أقوم وأذهب إلى بيت أبي" لوقا 15: 18. ترك الإبن الضال بيت أبيه وسافر غلى كورة بعيدة. هناك عاشر رفاقاً طائشين مقامرين فاسدين حتى أدركه الفقر والجوع فراح يرعى الخنازير وبالكاد حصل على الخرنوب- طعام القطيع.

 

     إن هذا الخاطىء الممثل أشقى الخطاة تاب وهو في هذه الحالة اليائسة ورجع على عقبه نحو بيت أبيه. في تلك اللحظة بعينها التي فيها يرجع الخاطىء إلى الله موجهاً خطواته نحو المسيح، تفتح السماء له باب القبول وإن هو جاءها بالخرق البالية أو العري الروحي، فما دام يعترف بعدم أهليته ويتمنى المساعدة فالمسيح يلاقيه ويخلع عنه هذه الخرق البالية ويضع عليه ثوب بره. يشتاق أبونا السماوي أن يغفر لنا وهو يرحب بنا أكثر جداً من الأب الذي إستقبل إبنه التائب. وإليك ما يقوله الرسول بهذا الصدد:

 

"إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح. لأنه... أرسل إبنه في شبه جسد الخطية ولأجل الخطية دان الخطية في الجسد" رومية 8: 1 و 2.

 

     باخرة مسافرة إصطدمت بصخر ناتىء في البحر وتحطمت. وللحال أتت سفينة النجاة وعلا منها صوت الدعوة للإنتقال: فالمسافرون دخلوا هذه السفينة التي جاءت لنجدتهم وبعد أن أُفرغت السفينة الأولى من ركابها أخذت سفينة النجاة وجهة معاكسة لسير الأولى بعيداً عن الصخور. لقد حصل في تبديل جهة السير خلاص للمسافرين.

 

     كل خاطىء يسير على الطريق الواسعة المزدحمة بالمارة ولا يرجع عنها فهو في خطر الهلاك والدمار. أما إذا رجع عنها إلى الجهة المعاكسة تاركاً وراءه المعاشرات الرديئة ومتوجهاً نحو الصليب فإنه يضع نفسه في مـأمن من كوارث الأيام.

 

6. ماذا يحدث لمن يتباطأ في عزيمته؟

"الشرير تأخذه آثامه وبحبال خطيته يمسك" أمثال 5: 22. كثيرون إقترفوا هذه الغلطة معتقدين أنهم يستطيعون أن يتوبوا يوم يختارون ولا بأس في تمديد ذلك اليوم الوهمي. لا شك في أن المسيح يفرح بخلاص كل الراجعين إليه أما الذين يتباطأون في الرجوع عن الخطية فأخيراً يقعون في غلطتهم لأن "الشرير... بحبال خطيته يمسك".

 

الإعـــــــــــــــتراف

7. أية خطوةٍ يجب إتخاذها بعد التوبة؟

"من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقر بها ويتركها يُرحم" أمثال 28: 13. "واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا" متى 6: 12.

 

     على الخاطىء التائب أن يتقدم إلى الله بالصلاة ويعترف بكل خطية يشعر بها ويطلب المغفرة بدم يسوع الفادي. يرحم الله سريعاً كل من يعترف بخطاياه ويتركها.

8. لمن ينبغي الإعتراف بالتعدي على حقوق الغير؟

"اعترفوا بعضكم لبعض بالزلات وصلوا بعضكم لأجل بعض لكس تُشفوا" يعقوب 5: 16. إذا تعدينا على أحدٍ فإليه يجب أن نذهب ومنه نطلب المغفرة حتى يغفر لنا الله وأما ما سوى هذه الذنوب فلله وحده يجب الإعتراف بها.

 

9. كيف نتأكد من غفران خطايانا كله؟

"إن إعترفنا بخطايانا فهو أمينٌ وعادلٌ حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم" 1يوحنا 1: 9. "إن ردَّ الشرير الرهن وعوض عن المغتصب وسلك في فرائض الحياة بلا عمل إثم فإنه حياةً يحيا" حزقيال 33: 15.

 

     لا يكفي أن نسلم فقط بالخطية. إذا سرق ولدٌ يوماً ما ساعةً وكُشفت سرقته فأُجبر على الإقرار بسبب الدلائل ولم يشعر بحزن عميق في قلبه على الخطية فلا فائدة من مسامحته ما لم يندم على ما فعل. الله يسامح كل تائبٍ شاعرٍ بحزنٍ على الإثم. يتناول الغفران والتوبة التعويض أيضاً فكل التعديات الصادرة منا تجاه الغير وكل الأضرار التي سببناها لهم يجب تعويضها بقدر إستطاعتنا وما لا نقدر على رده فنسألهم أن يصفحوا لنا عنه. هكذا نرفع عن أكتافنا أحمال الماضي المظلم.

 

الغفـــــــــــــــران

10. هل من خطايا لا يمكن مغفرتها؟

"هلُّم نتحاجج يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيَّضُ كالثلج إن كانت حمراء كالدودوي تصير كالصوف" اشعياء 1: 18.

 

     يا لراحة الخاطىء مما يلاقيه من تعزية في هذه الآية! مهما إحمّرت الخطايا وإشتد الإثم فالسيد الرب يغسلها فتبيض كالثلج. يا لمحبة الله الفائقة الوصف والإدراك! هذه المحبة تغفر الخطايا وتغسلها مهما بلغ عددها ومهما قبحت. أيها الخاطىء عليك فقط بالتوبة والإعتراف والله يغفر سريعاً.

 

11. كم من نفس تئن مثقلة لأنها كادت تفقد الرجاء قائلةً "لقد تُهتُ في فعل الإثم فلا يمكن خلاصي بعد. عرفتُ انني تعديتُ الوصية ولقد جربتُ أن أرجع إلى الله ولكن خطيتي كبيرة وهي وهي دائماً أمامي تسد علَيَ مسالك السلام الروحي. أصلي فلا تسمع صلواتي كأنَ لا نفع يرجى من كل المحاولات. هل لصوت النبوة من واسطة للإنقاذ فتمدني برجاءٍ جديد؟"

 

     إلى هؤلاء المنكسري القلب اليائسين نقدم المواعيد الواردة في كتاب الله عن غفران معاصي الخطاة المرتدين التائبين. هذه الآيات بما فيها من وعود هي لك أيها القارىء الكريم.

 

"يعود يرحمنا يدوس آثامنا وتطوح في أعماق البحر جميع خطاياهم" ميخا 7: 19. "لأنه مثل إرتفاع السموات فوق الأرض قويت رحمته على خائفيه. كبُعد المشرق من المغرب أبعد عنا معاصينا" مزمور 103: 11 و 12. "لأنهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم يقول الرب. لأني أصفح عن إثمهم ولا لأذكر خطيتهم بعد" ارميا 31: 34. "أنا أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي وخطاياك لا أذكرها" اشعياء 43: 25.

 

     إذا إستولت عليك الهواجس وتعذبت بأفكارك معتقداً أن خطاياك أبعدتك عن الله فلم يغفرها لك بل طرحك من وجه رحمته؛ فإعلم إن الشيطان يوهمك لتبقى بعيداً عن الله. ولا تياس بل بالحري احنِ رأسك وصَلِّ متأملاً في وعده الصادق: "إن إعترفنا بخطايانا فهو أمينٌ وعادلٌ حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم" 1يوحنا 1: 9.

 

     تب واعترف بخطاياك تنل الغفران الأكيد وتصبح إبناً للملك وتكون من رعية السماء.

 

تأمــــلات روحـــــــــية

"ليترك الشرير طريقه ورجل الإثم أفكاره وليتب إلى الرب فيرحمه وإلى إلهنا لأنه يكثر الغفران" اشعياء 55: 7. حمل الخطية هو أثقل حمل ولكن لا موجب أن يبقى المذنب التائب في نوحٍ مستمر على ما فات طالما إعترف بخطاياه وتركها. هي مغفورة وقد أنعم عليه المسيح بمحوها تماماً.

 

     يقرع المسيح على باب قلبك منتظراً أن تأذن له بالدخول. أفلا تفتح لهذا الضيف الكريم؟ يدعوك إلى المجيء إلى ديار الرب وهو يشتاق إلى ردك عن طريق الضلال "فارجع إلى الرب لأنه يرحمك... ويكثر الغفران" أفلا تهم بالرجوع.

 

صـــــــــــــــلاة

     ها أنا يا إلهي السماوي آتي إليك بخطاياي نادماً على السنين التي أضعتها بعيداً عنك والت لا يمكن إسترجاعها. اغسل يا رب آثامي واصفح عن ماضِيَ المظلم واقبلني في حظيرتك باسم المسيح آمين.