الدرس الثالث: اصل الشيطان ومصيره

"الخطية هي التعدي... مَن يفعل الخطية فهو من إبليس لأن إبليس من البدء يخطىء. لأجل هذا أُظهر إبن الله لكي ينقض أعمال إبليس"   1يوحنا 3: 4 و 8

 

     أنظر إلى المركبة السوداء الطويلة تحمل عزيزاً إلى مدينة السكون وخلفه الباكون والنائحون. هي ضحية إستأثر بها الموت. أنظر إلى تلك البيوت التي ترتفع منها أصوات الصراخ بكربٍ وألمٍ. تطلع على عناوين الجرائد الناطقة بمجازر الحرب وفي الصور التي تريك الجثث الساقطة في ساحات الوغى، وبالأعاصير والفيضـانات والـكوارث المـتتابعة. كل هـذه البلايا هي من صنع الشيطان لا من أعمال الله، "لأن الله محبة"   1يوحنا 4: 8.

 

     قام في السنين الأخيرة مَن ينكرون وجود الشيطان فراحوا يلقون تبعة هذه الحوادث الفظيعة على الله. إن الشيطان ليسر جداً بهذا الإنكار فلا يحسب له الناس حساباً ولا يتجنبون أشراكه. ويصور البعض الشيطان كأنه ذو رأس يبرز منه قرنان وذنب شائك وارجل وحوافر الدواب غير أن ذلك من إختلاق العصور الوسطى، فالشيطان ليس كذلك. ولكن رفضنا لهذه الصورة المختلفة يجب ألا يحملنا على قبول الرأي الحديث القائل بعدم وجوده بل لنستعلم كلمة الله عن أصل الخطية ومنشأ الشيطان.

 

إبليس هو علة الخطية ومسببها

1. أين نشأ الكذب والشهوات والقتل إلخ... بموجب منطوق المسيح نفسه؟

"أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا. ذاك كان قتالاً للناس من البدء ولم يثبت في الحق لأنه ليس فيه حق. متى تكلم بالكذب فإنما يتكلم مما له لأنه كذاب وأبو الكذاب" يوحنا 8: 44. "فقال لهم رأيتُ الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء" لوقا 10: 18. أظهر المسيح جلياً أن إبليس هو أصل الشقاء والبؤس والألم.

 

2. ما هي بعض الأسماء التي لُقب بها الشيطان وقد وردت في الكتاب المقدس؟

"لا أتكلم أيضاً معكم كثيراً رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَ شيءٌ" يوحنا 14: 30. "الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين" 2كورنثوس 4: 4. "التي سلكتم فيها قبلاً حسب دهر هذا العالم حسب رئيس سلطان الهواء الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية" أفسس 2: 2. وأسماء أخرى ذكرت في الكتب المقدسة كالشرير والعدو والحية والتنين ورئيس الشياطين وأسماء مستعارة سواها تنطبق عليه لأنه مذنب يهرب من وجه العدالة.

 

     ولما كان الكتاب المقدس من الإصحاح الثالث من سفر التكوين إلى الإصحاح العشرين من سفر الرؤيا يتناول النزاع القائم بين المسيح والشيطان، بين قوات الخير قوات الشر- أصبح من الضروري أن ندرس الصفات الفارقة ونطلع على المواقف الخداعة والطرق العاثرة التي يقودنا فيها العدو المكار.

 

كان الشيطان من سكان السماء

3. أين سكن الشيطان قبلاً؟

قال لهم رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء" لوقا 10: 18. يستغرب الكثيرون أن الشيطان كان يسكن السماء. نعم ولم يكن راضياً بترك هذا المسكن البهي.

 

4. كيف طُرد الشيطان من السماء؟

"وحدثت حرب في السماء. ميخائيل وملائكته حاربوا التنين، وحارب التنين وملائكته ولم يقووا، فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء. فطرح التنين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان الذي يضل العالم كله، طُرح إلى الأرض وطُرحت معه ملائكته" رؤيا 12: 7-9.

 

     لم يُلاقِ المسيح في تجربة الشيطان له وهو على الأرض عدواً جديداً. عرفه من قبل عندما حاربه في السماء لأجل المعصية وقَوِيَ عليه وعلى ملائكته طارحاً إياهم إلى أعماق الأرض. يقول يوحنا في الإصحاح الثامن والعدد الرابع والأربعين أنه "لم يثبت في الحق" دليلاً على أنه كان قبلاً سائراً في الحق.

 

5. كيف يصف إشعياء تعظم الشيطان، وسقوطه الناتج عن هذه الأثرة؟

"كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح.كيف قطعت الى الارض يا قاهر الامم. وانت قلت في قلبك اصعد الى السموات ارفع كرسييَ فوق كواكب الله واجلس على جبل الاجتماع في اقاصي الشمال. اصعد فوق مرتفعات السحاب. اصير مثل العلي. لكنك انحدرت الى الهاوية الى اسافل الجب. الذين يرونك يتطلعون اليك يتأملون فيك.أهذا هو الرجل الذي زلزل الارض وزعزع الممالك" إشعياء 14: 12-16.

 

     الغطرسة والكبرياء والعصيان جعلت الملاك الممجد يهوي عن مرتبته السامية. زهرة بنت الصبح- كما سمي الشيطان قبل سقوطه- طُرد من السماء لأنه وضع في قلبه أن يشمخ على الله وإذ طمحت نفسه إلى الأعالي إنحدر إلى الأعماق السفلى مطروداً من حضرة الله لا بل تمرده على شريعة السماء.

 

     يسأل الكثيرون مستغربين: "لماذا يخلق إله صالح شيطاناً رجيماً" فيلقون تبعة الخطية عليه تعالى. ياللتجديف والإفتراء الغاشم! ما قولك في أب ولد طفلاً ورباه التربية الصالحة طيلة السنين التي قضاها تحت كنفه حتى كبر وخرج إلى العالم فأغرته المسرات وزلقت قدماه. ها هو على طريق الإثم والمهانة وهويعرف الحق وإنما يختار الخطيئة فينساق إلى السُكر والقمار ثم الإنحطاط والقتل. فهل الأب المسكين الحزين ولد إبناً قاتلاً منحطاً؟ لا بل طفلاً بريئاً أما هو فقد إختار لنفسه العار. ألم يخلق الله ملاك نورٍ وقد كلله بالمجد والكرامة. وما ذنب الله في إختيار إبليس لنفسه الشر والعصيان.

 

6. ماذا يقول الكتاب عن الكمال الذي كان يتحلى به زهرة بنت الصبح؟

"يا ابن آدم ارفع مرثاة على ملك صور وقل له. هكذا قال السيد الرب. انت خاتم الكمال ملآن حكمة وكامل الجمال. كنت في عدن جنة الله. كل حجر كريم ستارتك عقيق احمر وياقوت اصفر وعقيق ابيض وزبرجد وجزع ويشب وياقوت ازرق وبهرمان وزمرّد وذهب. انشأوا فيك صنعة صيغة الفصوص وترصيعها يوم خلقت. انت الكروب المنبسط المظلل واقمتك على جبل الله المقدس كنت. بين حجارة النار تمشيت انت كامل في طرقك من يوم خلقت حتى وجد فيك اثم. قد ارتفع قلبك لبهجتك. افسدت حكمتك لاجل بهائك. ساطرحك الى الارض واجعلك امام الملوك لينظروا اليك" حزقيال 28: 12-15 و 17.

 

     يتضح لنا من هذه الآيات كمال الشيطان قبل سقوطه. فقد كان أحد الكروبين المظللين. الجمال والحكمة والكبرياء قادته إلى الهبوط ونفس هذه الصفات تنزل اليوم بالرجال والنساء إلى أعماق الخطية. كل مخلوقات الله تتمتع بحرية الإختيار حتى لا تكون مثل آلة عديمة الذاتية. والرب الخالق يفرح بالعبادة العامل فيها دافع الرغبة والإختيار لا دافع الخوف والقوة.

 

     يهمك أيها القارىء العزيز أن تختار اليوم طريق الخالق المؤدي إلى الحياة الأبدية وتنبذ طريق الشر أي الحية القديمة التي أضلت أبوينا الأولين في جنة عدن. وبهذا الضلال جلب إبليس على البشرية الموت والآلام وإغتصب الملكية الأرضية فأصبح الإنسان تحت حكم هذا السيد القاسي.

 

الكتاب المقدس يكشف أعمال الشيطان

7. لماذا لم يهلك الله الشيطان فور عصيانه؟

"فقال لهم.انسان عدو فعل هذا. فقال له العبيد أتريد ان نذهب ونجمعه. فقال لا.لئلا تقلعوا الحنطة مع الزوان وانتم تجمعونه. دعوهما ينميان كلاهما معا الى الحصاد. وفي وقت الحصاد اقول للحصادين اجمعوا اولا الزوان واحزموه حزما ليحرق. واما الحنطة فاجمعوها الى مخزني" متى 13: 28-30.

 

     لو أباد الله الشيطان فور عصيانه لشك الكثيرون من اهل العوالم غير الساقطة بعدالة الله ونزاهته. أما الآن وقد رأوا نتيجة السقوط والخطية وأعمال إبليس المخزية ورأوا محبة الله الفائقة صاروا يتنكرون للإثم عفواً ويعبدون الخالق طوعاً.

 

     خداعٌ هو الشيطان، حتى أن الملائكة الأطهار لم يميزوا كنهه في أول عصيانه في السماء ولذلك لم يبده الله لأنه لو اباده لما رأى الملائكة القديسون عدالة الله ومحبته ولخامرهم الشك في جودة الخالق. إن الشكوك في جود الله هي زرع يتبطن الشر وينبت الشر ويثمر ثمرة الخطية والويل. لذلك أبقى الله الشيطان العاصي في الوجود إلى أن تظهر صفاته للملائكة وكل العوالم. أ. ج. هوايت.

 

     لقد إستطاع الشيطان بمكره وخداعه أن يثير ثلث سكان السماء ضد الله كما يتبين من رؤيا 12: 4 "وذنبه يجر ثلث نجوم السماء فطرحها الى الارض". ولقد أُعطيت الفرصة لهذا المزاحم على العرش لكي يعرض دعوته أمام العوالم فترى صدق قضيته أو فساده. أما الله فبسماحه له بالإستمرار في المعصية يبرر إسمه في السماء. لقد إستعمل الشيطان طرقاً لم يكن بوسع الله إستعمال نظيرها فالخداع والممالقة أضلا الكثيرين لمناصرة قضيته السحيقة أما طريق الرب فمستقيمة كلها.

 

     إن الخطية السائدة منذ ستة آلاف سنة تظهر على الأرض طبيعتها الفاسدة والأرض هي الميدان الذي نزل إليه المسيح في العراك مع الشيطان ليسترد الملك المفقود. هنا تظهر قوات الخير وقوات الشر. تعمل الأولى بمحبة الله للخلاص والثانية لهلاك الإنسان الأبدي. فإلى أي قوة تنضم أيها القارىء الكريم؟

 

8. كيف يتنكر الشيطان غالباً في عمله؟

"فلا عجب.لان الشيطان نفسه يغيّر شكله الى شبه ملاك نور. فليس عظيما ان كان خدامه ايضا يغيّرون شكلهم كخدام للبر. الذين نهايتهم تكون حسب اعمالهم" 2كورنثوس 11: 14 و 15.

 

     آه كم علينا أن نتحذر من خطط الشيطان فهو يغوينا بالخطية حتى أنه ليجعل الباطل حقاً والإثم بهجة والعصيان سلامة. وممثلوه وهم ذئاب خاطفة يرتدون ثياب الحملان الوديعة فيظهرون لطفاء غيورين يكفن الرياء خداعهم وسوء نياتهم. ألا يجدر بنا والحالة هذه أن نتعمق في درس كلمة الله فنعرف الحق المكتوب ونميز رسل الشر من ملائكة السلام؟

 

9. إلى من يصوب الشيطان سهامه الحادة؟

"... ويل لساكني الارض والبحر لان ابليس نزل اليكم وبه غضب عظيم عالما ان له زمانا قليلا. فغضب التنين على المرأة وذهب ليصنع حربا مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله وعندهم شهادة يسوع المسيح" رؤيا 12: 12 و 17.

 

     لا يستطيع الشيطان أن ينتقم من الله أو المسيح لكنه قادر أن يكسر قلبه تحناناً على أولاده الحافظين وصاياه إذ يصوب عليهم سهام الحقد فيضطهدهم ويعذبهم بكل أنواع العذاب وطوبى لمن يحتمل الآلام من أجل يسوع.

 

نهاية الكفاح

10. ما هي نهاية الشيطان؟

"قد ارتفع قلبك لبهجتك.افسدت حكمتك لاجل بهائك. ساطرحك الى الارض واجعلك امام الملوك لينظروا اليك. قد نجست مقادسك بكثرة آثامك بظلم تجارتك فأخرج نارا من وسطك فتاكلك واصيرك رمادا على الارض امام عيني كل من يراك. فيتحير منك جميع الذين يعرفونك بين الشعوب وتكون اهوالاً ولا توجد بعد الى الابد" حزقيال 28: 17-19. " وإبليس الذي كان يضلهم طُرح في بحيرة النار والكبريت..." رؤيا 20: 10. "ماذا تفتكرون على الرب. هو صانع هلاكاً تاماً لا يقوم الضيق مرتين" ناحوم 1: 9. نعم فالكفاح لن يستمر مع الشيطان والخطية إلى أبد الدهر. "لا يقوم الضيق مرتين" ما أثمن هذه المواعيد فهي تقضي على الشيطان تماماً.

 

لقد رأى سكان الأرض والعوالم الأخرى عاقبة الشر والشرير وسيفرحون بسعادة أبدية وسلام دائم مدى الأجيال اللامتناهية، شكراً لله الذي يهب بتدبيره الكامل الحياة والخلود.

 

11. كيف ننال النصر على الشر والشرير الآن وفي الدهر الآتي؟

"لآن دينونة هذا العالم. الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجا. وانا ان ارتفعت عن الارض اجذب اليّ الجميع" يوحنا 12: 31 و 32. في الصليب أكمل المسيح الغلبة على إبليس. "وسمعت صوتا عظيما قائلا في السماء الآن صار خلاص الهنا وقدرته وملكه وسلطان مسيحه لانه قد طرح المشتكي على اخوتنا الذي كان يشتكي عليهم امام الهنا نهارا وليلا. وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت" رؤيا 12: 10 و 11. "لكي يبيد ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس" عبرانيين 2: 14.

 

     بهذه الغلبة ينتصر على الخطية كل أتباع المسيح، وينتصرون على الشيطان الهالك لا محالة. لا يقدر المرء أن يسبر غور المحبة الإلهية التي إفتدت الجنس البشري الهالك من الخطية.

 

     نشكر الله لأنه دفع الثمن وفدانا بإبنه وأنالنا الظفر والغلبة من على الصليب. ليس في العالم من يقدر أن يخطف من يد الله الذين إستسلموا لإرادته. أما ذوو القلوب المستعصية فيبتعدون بملء إرادتهم. "فمن ينتدب اليوم لملء يده للرب... لك يا رب العظمة والجبروت والجلال والبهاء" 1أخبار الأيام 29: 5 و 11.

 

تأملات روحية

"بخوافيه يظللك وتحت أجنحته تحتمي ترس ومجن حقه" مزمور 91: 4. كم يتعزى المؤمنون الطالبون الله لأنه يحميهم ويظللهم "تحت أجنحته". يهرب الأرنب المطارد إلى ثقوب الصخور ليجد فيها راحةً من دقات قلبه الهلوع. يطير العصفور عالياً فيحط على أغصان الأشجار المرتفعة ليكون في مأمن من بندقية الصياد. يرتمي الطفل على صدر أمه إذا ما أجفل وخاف ليجد فيه السلامة والسكينة.

 

"اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسدٍ زائرٍ يجول ملتمساً من يبتلعه هو" 1بطرس 5: 8. إذا إستمسكنا بيسوع فلنا ملء الثقة بأنه يحفظنا من هجمات إبليس. أما الذين يختارون الإلتحاق بهذا المضل فلا يجدون عوناً لأنفسهم يوم الضيق. "فإخضعوا لله قاوموا إبليس فيهرب منك إقتربوا إلى الله فيقترب إليكم. نقوا أيديكم أيها الخطاة وطهروا قلوبكم يا ذوؤ الرأيين"  يعقوب 4: 7 و 7.

 

صلاة

     ساعدني يا الله لأفهم أنني في خدمتك أجد سلاماً لنفسي وإنني في خدمة الشيطان لا بد من أن أُلاقي في الأخير المرارة والعناء. قوِّني في الحق فأسلك حسب مشيئتك تحت جناحيك. بأسم يسوع المسيح. آمين.