الدرس التاسع: ماهي السماء وأين هي؟

"لأني هأنذا خالقٌ سموات جديدة وأرضاً جديدة فلا تُذكر الأولى ولا تخطر على بال" إشعياء 65: 17

 

     هلا وقفت في جانب مقبرة كبيرة وتطلعت ما بين الرموس الصامتة وتساءلتَ "ما هي الناحية الأخرى من الموت وكيف تكون الحياة في السماء؟" ربما أكثر من مئة مليار من الناس يضطجعون في أرض الموت الصامتة فهل لهم حياة مقبلة؟

 

     هلا سرتَ في الغابات المنعشة بين الأعشاب النامية على ضفاف السواقي الصافية وقلتَ لنفسكَ " ما أدهش الطبيعة حيث نخلد فيها إلى الراحة والسكينة وما أدهش التمتع بمسراتها أبدياً" عندئذٍ تستولي عليك الأفكار فجأةً معيدةً إلى ذاكرتك المشاكل والتبعات التي كنتَ تتهرب منها إلى حين. كل شيء فينا ينشد الراحة والإنفلات والمسرة الأبدية. وحياة الطمأنينة المقدسة هذه هي في برنامج الله العظيم المعد لأبنائه الأمناء.

 

1. ما هي المكافأة الوحيدة التي ينتظرها الكثيرون؟

"فإن لم تكن قيامة أموات فلا يكون المسيح قد قام... إذاً الذين رقدوا في المسيح أيضاً قد هلكوا. إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح فإننا أشقى جميع الناس" 1كورنثوس 15: 13 و 18 و 19.

 

     ما كان أثبت إيمان بولس الرسول! تطلّع إلى ما وراء القبر للثواب. كثيرون هم القائلون إن المرء يلاقي في هذه الحياة الدنيا المكافأة أي السلام الداخلي- سلام القلب في خدمة السيد الرب. أما هذه المكافأة فليست بالغاية المنشودة لأنه إن لم يكن غير هذه الحياة ليحياها الإنسان وينال فيها الثواب فما أشقى الإنسان وأتعسه. نشكر الله فقد أعد لنا الحياة بعد الموت، أما هذه الأرض فجعلها للتجربة والإختبار؛ وكل من يثبت هنا بنعمة المسيح المخلصة أميناً صادقاً للدعوة المثلى التي دُعي لأجلها ينتقل إلى منزل مجيد حيث لا نهاية لحياته السعيدة.

 

أين تكون السماء؟

2. ماذا يرث الودعاء بموجب وعد المسيح؟

"طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض" متى 5: 5.

 

     عبارة بسيطة جداً ولكنها سديدة وذات معنى كثير. لا بد أن يرث الودعاء الأرض. لنجعل من هذه الآية قاعدةً يرتكز عليها درسنا عن موقع السماء الحقيقي.

 

3. ماذا كان قصد الخالق أولاً بخصوص هذه الأرض؟

"لأنه هكذا قال الرب خالق السموات هو الله مصورالأرص وصانعها. هو قررها. لم يخلقها باطلاً. للسكن صورها. أنا الرب وليس آخر" إشعياء 45: 18.

     نعم، خلق الله الأرض مسكناً للعائلة البشرية ولكن الشيطان خدع آدم وحواء وأبعدهما عن الجنة الموهوبة لهما وحرمهما من السيطرة عليها. أما يسوع مخلصنا البار فقد تحمل عقاب الخطية على الصليب عوضاً عن آدم وارجع بهذه التضحية للجنس البشري حق الملكية وعما قليل يتولى بنفسه رئاسة الفردوس المفقود.

     لم تكن الخطية من تدبير الله وقصده بل هي إنحراف عن المجرى الأصلي وسترجع العائلة البشرية قريباً إلى طريق البر الحقيقي وإلى مسالك السلام، إلى الآمال الصباح وإلى البهجة الأبدية. كل أتباع يسوع يرون وراءه الطريق المؤدي إلى مشيئة الله السامية لأجل أولاده. سيسكن الأرض رعايا الأرض الأبرار كما كانت الحالة قبل السقوط "وشعبك كلهم ابرار. الى الابد يرثون الارض غصن غرسي عمل يدي لأتمجد" إشعياء 60: 21.

 

4. كيف يصف بعض كتبة الكتاب المقدس ميراث المخلصين في المستقبل؟

"وانت يا برج القطيع اكمة بنت صهيون اليك يأتي. ويجيء الحكم الاول ملك بنت اورشليم" ميخا 4: 8. "فان الرب قد عزى صهيون. عزى كل خربها ويجعل بريتها كعدن وباديتها كجنة الرب. الفرح والابتهاج يوجدان فيها. الحمد وصوت الترنم" إشعياء 51: 3. الحكم الأول سيُعاد إلى المسيح- برج القطيع، والأرض ستصبح مرة أخرى كعدن، عندئذٍ تستجاب صلوات المسيح: "ليأتِ ملكوتك لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض" متى 6: 10.

 

     يدنو الوقت الذي فيه يثبت الله مملكته على هذه الأرض وعندئذٍ نرى إتمام الوعد القائل: "لأن الأرض تمتلىء من معرفة مجد الرب كما تغطي المياه البحر" حبقوق 2: 14.

 

5. لا يرث الودعاء الأرض الآن لأن الموت يقبضهم إلى حين. لذلك فلنتطلع إلى المستقبل لإتمام هذه المواعيد المباركة

" فانه ليس بالناموس كان الوعد لابراهيم او لنسله ان يكون وارثا للعالم بل ببر الايمان" رومية 4: 13. "فإن كنتم للمسيح فأنتم إذن نسل إبرهيم وحسب الوعد ورثة" غلاطية 3: 29.

 

     كل من هو للمسيح يصير وارثاً للوعد المعطى لإبرهيم ولنسله أي الميراث الأرضي. إن باب الرجاء والسعادة مفتوح على مصراعيه للجميع بواسطة المسيح.

 

أورشليم الجديدة

6. ماذا يعد المسيح لأتباعه؟

" في بيت ابي منازل كثيرة. وإلا فاني كنت قد قلت لكم. انا امضي لاعد لكم مكاناً. وان مضيت واعددت لكم مكاناً آتي ايضا وآخذكم اليّ حتى حيث اكون انا تكونون انتم ايضاً" يوحنا 14: 2 و 3.  

 

     قبل أن يرجع المسيح إلى أبيه أكّد لتلاميذه وأكّد لنا أيضاً أنه سيعود ليأخذ أولاده إلى تلك المنازل الجميلة. سمح يسوع ليوحنا الرائي أن ينظر إلى عالم المجد في الوحي ليُظهر للعالم إن السماء حقيقية لا وهم، وإن ما دَوَّنه في السفر يجب أن يكون قبلة أنظار أولاد الله إلى النهاية.

 

7. كيف يصف يوحنا السماء- أورشليم الجديدة- عاصمة مملكة الله؟

"من يغلب فسأُعطيه أن ياكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله" رؤيا 2: 8. "واراني نهرا صافيا من ماء حياة لامعا كبلّور خارجا من عرش الله والخروف. في وسط سوقها وعلى النهر من هنا ومن هناك شجرة حياة تصنع اثنتي عشرة ثمرة وتعطي كل شهر ثمرها. وورق الشجرة لشفاء الامم" رؤيا 22: 1 و 2.

 

     نُقلت شجرة الحياة من عدن إلى الفردوس لئلا ياكل آدم وحواء فتكون لهما الحياة الأبدية وهما في الخطية فيعيشان خطاةً إلى الأبد. شجرة الحياة هذه جميلة جداً وهي تنمو على ضفتي نهر الحياة الجارية مياهه من عرش الله والحمل، ينبوعاً حياً. فوق هذا النهر البلوري المنعش تخيم أغصان شجرة الحياة الدائمة الإخضرار والصانعة إثنتي عشرة ثمرة مختلفة.

 

     يخطر على بال الكثيرين هذا السؤال: "طالما لا مرض فيما بعد فلماذا يقول الرائي إن ورق الشجرة لشفاء الأمم؟". ليس من مرضٍ في السماء. ولكن عندما يقوم المفديون من قبورهم يحضرون أمام الله بنفس القامة التي دخلوا بها القبر وهذا القدر المصغر هو الإثبات الوحيد لتأثيرات مملكة الخطية على الجنس البشري. "ولكم أيها المتقون إسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها فتخرجون وتنشأون كعجول الصيرة" ملاخي 4: 2. إن ورق شجرة الحياة أعده الله طعاماً للمفديين كي ينشأوا روحاً وجسداً إلى ملء قامة الإنسان قبل سقوطه في الخطية.

 

8. إذا أردتَ وصفاً مسهباً عن المدينة المقدسة أو أورشليم الجديدة أو الفردوس (المسمى غالباً السماء)  فأقرأ رؤيا الإصحاح الحادي والعشرين والإصحاح الثاني والعشرين. وهنا سنذكر بإختصار الحقائق المعلنة في رؤيا يوحنا بخصوص أورشليم الجديدة، فهي بشكل مربع كل من جوانبه 375 ميلاً. ويحيط بالمدينة سور عالٍ يلمع كالبلور الوضاء. وللمدينة إثنتا عشرة بوابة ثلاث من كل جهة ويحرس هذه البوابات ملائكة حتى لا يدخلها شيء دنس ولا ما يصنع رجساً وكذباً إلا المكتوبون في سفر حياة الخروف. رؤيا 21: 27. لن تدخل الخطية تلك المدينة المقدسة ولا تتلطخ شوارعها الذهبية النقية. وهي لن تعرف الظلمة لأن الله يضيئها بحضوره الإلهي.

 

 

9. أين يكون موقع تلك المدينة المقدسة؟

"وانا يوحنا رأيت المدينة المقدسة اورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مهيأة كعروس مزينة لرجلها. وسمعت صوتا عظيما من السماء قائلا هوذا مسكن الله مع الناس وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعبا والله نفسه يكون معهم الها لهم... وذهب بي بالروح الى جبل عظيم عال وأراني المدينة العظيمة اورشليم المقدسة نازلة من السماء من عند الله" رؤيا 21: 2 و3 و 10.

 

     ما أمجد صورة هذه المدينة- العاصمة المستقبلة لمملكة المسيح- نزل إبن الله الوحيد إلى الأرض مولوداً مثل الإنسان لكنه في كفاحه إنتصر على الشيطان وقام من القبر ظافراً،  هذا هو المسيح الذي يثبت مملكة أورشليم الجديدة على نفس هذه الأرض التي ربحها في كفاحه، وسيجعلها قاعدة يشرف منها على شعبه الذي فداه بدمه الكريم، وذلك بعد أن تُنزع الخطية من هذا العالم وتتطهر الأرض من دنس الشرير.

 

الأرض الجديـــــدة

10. كيف يهيء المسيح هذه الأرض لترجع عدن الأبدية لأولاده؟

"لأني هأنذا خالقٌ سموات جديدة وأرضاً جديدة فلا تُذكر الأولى ولا تخطر على بال" إشعياء 65: 17.

 

     هذه الأرض سيبدعها المسيح من جديد. لا يُصلحها أو يبنيها بل يجعلها خليقة جديدة كاملة حتى إن الأولى وما كان فيها من أحزان ومصائب لا تذكر البتة ولا تخطر على بال. شكراً لله على هذه المواعيد الثمينة.

 

11. كيف يقضي المفديون قسماً من وقتهم؟

"يبنون بيوتاً ويسكنون فيها ويغرسون كروماً ويأكلون أثمارها" إشعياء 65: 21. " وارد سبي شعبي اسرائيل فيبنون مدنا خربة ويسكنون ويغرسون كروما ويشربون خمرها ويصنعون جنّات ويأكلون اثمارها" عاموس 9: 14.

 

     يتضح من هاتين الآيتيتن إن بيت الإنسان الأبدي هو بيت حقيقي والحياة في الأرض الجديدة ليست وهمية بل هي فعلية كما كانت في عدن قبل الخطية.

 

12. كف تكون الحيوانات في الأرض الجديدة سبب بهجة لقلوب الأولاد؟

" فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدي والعجل والشبل والمسمن معا وصبي صغير يسوقها. والبقرة والدبة ترعيان. تربض اولادهما معا والاسد كالبقر ياكل تبنا.. لا يسوؤون ولا يفسدون في كل جبل قدسي لان الارض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر" إشعياء 11: 6 و 7 و 9.

 

     آيات أخرى كثيرة تبين إن الحيوانات يستخدمها المفديون لبهجتهم. "تُعرفني سبيل الحياة. أمامك شبع سرورٍ. يمينك نِعَمٌ إلى الأبد" مزمور 16: 11. "ومفديو الرب يرجعون وياتون الى صهيون بترنم وفرح ابدي على رؤوسهم. ابتهاج وفرح يدركانهم. ويهرب الحزن والتنهد" إشعياء 35: 10.

 

     لماذا نترك لأنفسنا الحبل على مداه ولا نحجم عن الإنغماس بمسرات العالم طالما لا توازي الأفراح الأرضية كلها ذرة صغيرة من الأمجاد المقبلة في تلك الديار الخالدة.

 

13. أي جسمٍ يكون للمفديين؟

"الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده بحسب عمل إستطاعته أن يحضر لنفسه كل شيء" فيلبي 3: 21. "أيها الأحباء نحن أولاد الله ولم يظهر بعد ماذا سنكون. ولكن نعلم أنه إذا أُظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو" 1يوحنا 3: 2.

 

      أكل يسوع بحضور تلاميذه بعد القيامة (لوقا 24: 30-43). أراهم يديه ورجليه. إذن كان له جسد حقيقي. كذلك في البيت الجديد سيكون للإنسان جسم حقيقي ملموس.

 

14. ماذا يطرأ من تغيير على أجسام المفديين؟

"حينئذ تتفتح عيون العمي وآذان الصم تتفتح. حينئذ يقفز الاعرج كالايل ويترنم لسان الاخرس لانه قد انفجرت في البرية مياه وانهار في القفر" إشعياء 35: 5 و 6.

 

     لا عمى ولا عرج ولا خرس ولا وجع بعد. كل الأوجاع تزول، وأنت يا مَن تنقلب على فراش المرض إليك هذا الوعد: "ولا يقول ساكنٌ أنا مرضتُ. الشعب الساكن فيها مغفور الإثم" إشعياء 33: 24.

 

 

15. هل يعرف الواحد الآخر في الأرض الجديدة؟

" فاننا ننظر الآن في مرآة في لغز لكن حينئذ وجها لوجه. الآن اعرف بعض المعرفة لكن حينئذ ساعرف كما عُرفت" 1كورنثوس 13: 12.

     أجاب أحد القسوس عن سؤال وجهته إليه إمرأته فقال: "لا شك إننا سنعرف بعضنا في السماء، أتظنين أننا نكون أقل نباهةً هناك مما نحن عليه الآن؟". الطفل الصغير الذي خطفه الموت عن ذراعي أمه سيرجعه الله صباح القيامة فتعرفه تلك الأم وتضمه إلى صدرها بشغف وتحنان. الأحباء الذين فرّق بينهم الموت سيعودون إلى الملاقاة التي لا فراق بعدها ولا وداع ولا غصة منون.

 

16. كم من دموع يمسحها الله؟

"وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم والموت لا يكون فيما بعد ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد لان الامور الاولى قد مضت" رؤيا 21: 4.

 

لا يكون فيما بعد خطية حتى ولا يبقى ذكرٌ للماضي المشؤوم ويمسح الله دموع الحزن بمحبته العظيمة. يا للسعادة الكاملة ويا للثواب العظيم.

 

شروط الدخول

17. ما هما الشرطان المطلوبان للدخول إلى البيت السماوي؟

"لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية" يوحنا 3: 16. "طوبى للذين يصنعون وصاياه لكي يكون سلطانهم على شجرة الحياة ويدخلوا من الابواب الى المدينة" رؤيا 22: 14. "ولكن إن أردت أن تدخل الحياة فإحفظ الوصايا... وتعال وإتبعني" متى 19: 17 و 21.

 

     نرى مما تقدم من كلام الله أن شرطي القبول هما الإيمان بالمسيح والطاعة لوصاياه.

 

في سكون الشركة مع الله

"فإن سيرتنا نحن هي في السموات التي منها أيضاً ننتظر مخلصاً هو الرب يسوع المسيح" فيلبي 3: 20. لماذا لا نفكر أكثر ونتحدث أكثر عن السماء؟ لماذا نحن متعلقون بهذا المقدار في مسرات هذه الحياة وأشغالها وهمومها ومشاكلها وإضطراباتها؟ طبعاً عندما تكون سيرتنا وإتجاه أفكارنا ومحادثاتنا عن تلك الديار المثلى يزداد إشتياقنا إليها وبالنتيجة لا يحرمنا الله هذه المنّة.

 

     إن أكبر عزاء للنائح الفاقد عزيزاً هو قراءة ما كُتب عن الأمجاد السماوية. إنه عزاء لكل سائر إلى القبر فشكراً لله الذ وعدنا بالأبدية بعد قيامة الأموات.

 

صلاة

     هيىء أيها الرب قلبي لذلك اليوم العظيم. أُمح خطاياي فلا يبقى بيني وبينك حائل دون مرأى وجهك البهي. لتكن أحشائي مسكناً ليسوع المسيح فيقود خطواتي إلى مسكني الأبدي في الأمجاد السماوية وهذا ما أسأله بإسمه. آمـــــــــــين.