الدرس الأول: الكتاب المقدس هو المرجع الوحيد

"إلى الأبد يارب كلمتك مثبتة في السموات" مزمور 119: 89

     إذا أردنا البت في أمر حقيقةٍ ما فعلينا أن نستشير المرجع. إذا إختلفنا مثلاً على كلمة من جهة حركتها ومعناها نبحث عنها في معجم اللغة لأنه يحسم الخلاف فهو المرجع الأوحد للغة. إذا إختلف إثنان على تعيين جهة مدينة مثلاً فإنهما يراجعان الخريطة التي تشير إلى جهة تلك المدينة على وجه الصواب فالخارطة هي المرجع. إذا إختلف مهندسان على مساحة عقار يأخذان شريط القياس ليقيسا به لأنه مرجع القياسات. إذا إختلف تاجران على تقدير كمية من الوقود عليهما بالقبان يضعان الوقود عليه لأنه مرجع في الأوزان.

 

     أليس من الغريب إذاً أن يخلق الله الإنسان على الأرض ولا يعطيه إرشاداً يكون له دليلاً في مسالك الحياة ومرجعاً يرجع إليه لمعرف إرادة خالقه لأن الإنسان يحتاج إلى مرجع إذ "ليس للإنسان طريقه، ليس لإنسان يمشي أن يهدي خطواته" إرميا 10: 23. فقد أعطانا الله الأسفار المقدسة مرجعاً لمعرفة ما ينبغي عمله لنيل الحياة الأبدية كما قال على لسان النبي إشعياء: "إلى الشريعة وإلى الشهادة. إن لم يقولوا مثل هذا القول فليس لهم فجر" إشعياء 8: 20.

 

     إن هذه الدروس مرتكزة على الكتاب المقدس المعلن فيه دستور الإيمان الحقيقي وهو المرجع السماوي للإنسان، وسنبرهن أن مصدر هذا الكتاب هو الله فنقبله مرشداً في كل أمورنا الروحية. كم يجدر بالإنسان أن يشكر الله على هذا الدليل الأمين بين الآراء المتضاربة في هذا العالم.

 

كتاب الله

1. ما هو مصدر الكتاب المقدس بموجب تعريف القديس بولس؟

"كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر" 2تيموثاوس 3: 16. حبذا لو قبلنا هذا التعريف البسيط "الكتاب هو موحى به من الله" وقد أُعطي للإنسان لمساعدته وتأديبه وحمايته.

 

2. إلى أي مرجع يدعو الله الإنسان ليقيس بموجبه الأمور المتعلقة بالخلاص؟

"إلى الشريعة وإلى الشهادة. إن لم يقولوا مثل هذا القول فليس لهم فجر" إشعياء 8: 20. لقد عَمَ بين الناس في هذه الأيام أن يقبل بعضهم قسماً من الكتاب ويرفض القسم الآخر، ولكن القياس الذي يتخذه الله حسب منطوق الآية أعلاه يبرهن جلياً أن القول والرأي اللذين لا ينطبقان على كلمة الله بكاملها لا يرضيانه البتة وقد جاء عن أصحاب هذه الأقوال والآراء أنه "ليس لهم فجر".

 

الكتاب المقدس يشهد ليسوع

3. إذا رفض أحدٌ الكتاب فهو يرفض المسيح الذي قال:

"فتشوا الكتب... وهي التي تشهد لي" يوحنا 5: 39. "وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير" لوقا 24: 44.

 

     يتبين من هذا الكلام أن من ينبذ الكتاب أو جزءاً منه ينبذ يسوع أيضاً لأن كلا العهدين القديم والجديد مملوءان من حياته وتعاليمه. لا يستطيع أحد أن يرضي المسيح وينكر كلامه. من يطوي كتب موسى عابثاً بها يطوي معها الشهادة للمسيح لأنها تشهد له. ومن يهمل المزامير يهمل الخلاص. ومن يرفض النبوات يرفض كذلك رب الأنبياء.

 

4. لم يكن كتبة الكتاب المقدس جماعة من المدعين القداسة أو من أعداء الله

لأن الكتاب المقدس أداة لمقاومة الشيطان بقوله: "مكتوب" متى 4: 4، "مكتوب" متى 4: 7، "مكتوب" متى 4: 10.

 

     يجدر بنا أن نذكر هذه الكلمة "مكتوب" عندما يعترضنا ضلال أو عندما نسمع غير المؤمنين يشتكون على الكتاب المقدس كأنه ليس مصدر الثقة. لما إلتقى يسوع وجهاً لوجه بالشيطان، إستشهد ثلاث مرات بالعهد القديم فأصمت الشيطان. هكذا اليوم إن الشهادات من هؤلاء الكتبة أنفسهم توقف المنتقدين المستهزئين عند حدهم. ليس الكتاب المقدس أداة الشيطان ولا هو بدعة من بدعه لأنه يدين الشر كلياً ويقهر الخطية قهراً. كلا، ليس في الكتاب من شرٍ لأنه لا يغض الطرف عن الشر والشرير، إنما يُعلي شأن الله كما قال يسوع: "للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد".

 

5. إلى مَن عُهد تسجيل كلام الوحي في الأسفار المقدسة؟

"عالمين هذا أولاً أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص. لأنه لم تأتِ نبوةٌ قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" 2بطرس 1: 20 و 21. ليس الكتاب مجرد آراء وأفكار لكنه رسالة من خالق الأكوان كُتبت على أيدي رجال غيورين مسوقين من الروح القدس إما بواسطة الرؤيا أو بإرشاد الله وحده.

 

     يحتج البعض أن الكتاب ليس سوى مجموعة من كتابات يهودية قديمة أعدها أناس محتالون أنانيون لينشروا آرائهم الدينية. فهل الأمر كذلك؟ إن الكتبة الملهمين في أسفار الكتاب ينددون بالكثير من معتقدات اليهود وتقاليدهم فلا يمكن أن تكون رسالتهم هذه مجرد تفكير عبراني. لو كتبت هذه الرسائل لتدعم التعاليم اليهودية لجاءت مطابقة لطقوسهم وعاداتهم.

 

     إن كتبة العهدين (القديم والجديد) لم يُظهروا أنانية فيما كتبوا ولا سيما أن ما سطروه كان غالباً يدين أعمالهم وأعمال شركائهم ومعاصريهم. إن الكتاب يتناول وجهتي الأخلاق الشريفة منها والسيئة، دون ما نظر إلى الغايات الشخصية لأنه من مصدر لا يعرف الإعوجاج والإنحراف، هو مصدر النزاهة والكمال والمصدر هو الله. "لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيفٍ ذي حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة أفكار القلب ونياته" عبرانيين 4: 12.

 

6. ماذا أمر الله الأنبياء أن يعملوا حفظاً لكلام الرب؟

"فقال الرب لموسى أكتب هذا تذكاراً في الكتاب" خروج 17: 14. "وكتب يشوع هذا الكلام في سفر شريعة الله" يشوع 24: 26. "كتبه في السفر ووضعه أمام الرب" 1صموئيل 10: 25.

 

كانت الخطوة الهامة لحفظ كلام الله للأنبياء أن يُكتب في سفر الرسالات الإلهية. (عدد 33: 2؛ يشوع 1: 8؛ يوحنا 21: 25). الشهادة المدونة لها قيمتها فإذ تبرهن أنها شهادة فاسدة نُقضت في الحال. وكتابات الأنبياء تحتوي على حقائق تاريخية وجغرافية وعلمية وروحية. لقد قضى النقاد أجيالاً طويلة لم يعثروا على حجة شرعية يطعنونه بها، لذلك فالكتاب

المقدس لا يزال محفوظاً بين أيدينا رسالة من الله الخالق.

 

     حقاً إن الكُتّاب المقدس لمعجزة، فإذا تأملنا في رسالاته لرأيناه غاية في الإتقان، فكُتّاب العهد القديم الثلاثون وكتاب العهد الجديد الثمانية تناولوا البحث في مواضيع مختلفة وهم من مختلف الجنسيات والبلدان والثقافة والعصور فمنهم من عاش بنحو ألف وخمسمائة سنة قبل سواه. بعضهم من أصل ملوكي والبعض الآخر من أحقر الرعاة، بينهم الاجير والراعي والملك والواعظ والصياد والجندي والطبيب والحاكم ومع هذا فإننا نجد الستة والستين سفراً التي كتبوها والحاوية 1189 إصحاحاً، وأكثر من 31 ألف آية تنطبق على بعضها كل الإنطباق فهل يمكن أن مثل هذا التآلف يتفق عليه الإنسان؟ كلا، لذلك نقول أن الله وحده صاحب هذا النظام والتدبير.

 

7. إن هؤلاء الكتبة قد إعترفوا بوحي الكتاب المقدس كما يتبين من الآيات التالية:

"في السنة الأولى من مُلكه أنا دانيال فهمتُ من الكتب عدد السنين التي كانت عنها كلمة الرب إلى إرميا النبي لكمالة سبعين سنة على خراب أورشليم" دانيال 9: 2. "كما كتب إليكم أخونا الحبيب بولس أيضاً بحسب الحكمة المعطاة له كما في الرسائل كلها أيضاً متكلماً فيها عن هذه الأمور. التي فيها أشياء عسرة الفهم يحرفها غير العلماء وغير الثابتين كباقي الكتب أيضاً لهلاك أنفسهم" 2بطرس 3: 15 و 16.

 

     إن درس دانيال لكتاب إرميا وشهادة القديس بطرس في مواعظه عن كلمة الوحي المعطاة للقديس بولس مما يبعث في القلب التيقظ والإرتياح. يذكر كتبة العهد الجديد مئتين وستين آية مقتبسة من العهد القديم بينما يذكرون ثلاث عبارات فقط مقتبسة من الشعراء اليونانيين. يتفق المؤرخون على أن عزرا جمع بعد الأسر كتب العهد القديم في مجلد واحد وجعلت هذه الكتب وحدة مقدسة نحو الـ100 قبل المسيح.

 

     إن "مليتو" أسقف مدينة ساردس عمل قائمة، بموجب إعتقاد أهل عصره، بكتب الأنبياء الموحى إليهم بها وهذه القائمة تنطبق كل الإنطباق على كتب العهد الجديد التي بين أيدينا. والكتب المقدسة التي يستشهد بها يوسيفوس تنطبق أيضاً على كتب العهد القديم المعروفة اليوم. السجلات السريانية القديمة وترجمة الكتاب المقدس إلى اللاتينية لجيروم تتفق والمراجع المبينة أعلاه في أن هذه أسفار موحى بها من الله.

 

الكتاب المقدس وحدة متماسكة

8. هل يجوز لشخص أن يقبل جزءاً من العهد القديم أو العهد الجديد ويرفض الجزء الآخر؟

"لايمكن أن يُنقض المكتوب" يوحنا 10: 35. هذه حقيقة عظيمة الأهمية-الكتاب المقدس وحدة لا ينقض منها أي جزء. مهما كان هيكل السفينة كامل الصنع لا يمكن أن تعوم تلك السفينة إذا كان ينقصها لوح واحد من الصلب لم يسمر في مكانه. والكتاب المقدس يعطي بياناً كاملاً عن أصل الإنسان ومصيره لا يتفكك جزء منه إلا وتتشوه فيه تلك السجلات الكاملة البيان.

 

     يملك البروتستانت مخطوطات الإسكندرية والمتحف البريطاني مخطوطات سيناء التي كانت قبلاً بين ايدي الروم الأرثذوكس، وكنيسة رومية الكاثوليكية مخطوطات الفاتيكان. هذه المخطوطات بقيت محفوظة بإعجوبة حتى في أشد الأيام هولاً وعدواناً. إن هذه الترجمات الثلاث المختلفة، إذا قوبلت ببعضها تتفق في نصها كل الإتفاق.

 

     عندما بدأ المدققون يدرسون العهد الجديد بلغت مخطوطاتهم ست مئة وأربعاً وسبعين، ورغم أنها كُتبت في لغات مختلفة وأراضٍ مختلفة فإن مقتبساتها تؤكد لنا ثبوت كلمة الله التي لا تعرف التغير مطلقاً. "لأني أشهد لكل من يسمع أقوال نبوة هذا الكتاب إن كان أحد يزيد على يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب. وإن كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب في هذا الكتاب"  رؤيا 22: 18 و 19.

 

9. هل نجح المنتقدون وهم يجربون أن يهدموا قصد الله؟

"كل آلة صُورت ضدكِ لا تنجح وكل لسان يقوم عليكِ في القضاء تحكمين عليه" إشعياء 54: 17. يدين الكتاب المقدس الشر ويعلم الصلاح ويقدم الفداء إلى الخاطيء التائب ويبعث الرجاء في الصدور المنقبضة مهما كانت جنسية الإنسان ومعتقده. نعم كل آلة صورت ضد مقاصد الله فشلت، كم من جيلٍ حمل فيه البعض على الكتاب حملات العداء أما تعاليمه المقدسة فبقيت ولا تزال صامدة ضد الهجمات المتتابعة. وفولتير وأنجرسل الهازئان بأسفاره أصرا على أنه أصبح رهن الإنقراض والإنطفاء. ذهب المنتقدون وإنقرضوا من الوجود أما كتاب الله فلا يزال حياً يباع منه سنوياً نحو خمسة وعشرين مليون نسخة.

 

النور الوحيد في الظلمة

10. كيف يصف داود قيمة هذا الدليل؟

"سراجٌ لرجلي كلامك ونورٌ لسبيلي" مزمور 119: 105. ما أثمن النور لمن يعثر في الظلمة! ما أثمن شعاعة نور لمن تكاد تنحدر رجلاه في هوة عميقة! ربما أن لا كتاب في العالم يملأ إحتياج النفس سوى الكتاب المقدس الذي يحتوي على كل أبحاث ومسائل الحياة، فلماذا لا نتمسك به راسخين؟

 

     سنبحث في الدرس الثامن بعض النبوات العجيبة وبذلك لا يمكن أن يعتري الشك أحداً في صحة الكتاب المقدس. لقد لخص الدكتور ج. ولير سايمان معجزان الكتاب بهذه العبارات الجميلة:

ليس شافٍ مثله إذا ما دهاك الصداع الأليم.

ليس بلسمٌ مثله في حزن القلب وإنكساره

ليس نورٌ مثله يوم لا تطل عليك الشمس في النهار وتنحجب عنك النجوم في الليل الدامس.

ليس مُعزٍ مثله إذا تيتم أولادك من أمهم، أو فقدتَ ولدك فلذة كبدك

ليس مقوٍ مثله عندما يشح فيك ربيع الحياة وتدهمك الشيخوخة

ليس رجاءٌ مثله عندما تنتهي أيام غربتك وتسند رأسك على الوسادة حيث يحنو عليك من علو سمائه فترقد بسلام

 

11. لماذا يجب أن نعلق كل هذه الأهمية الكبرى على الكتاب المقدس في مثل هذه الأحوال الحرجة؟

"فهذه الأمور جميعها أصابتهم مثالاً وكُتبت لإنذارنا نحن الذين إنتهت إلينا أواخر الدهور" 1كورنثوس 10: 11.

 

الكتاب المقدس وحده وليس سواه يخبرنا:

  1. مَن أوجد الكون
  2. ما هو مصدر الإنسان
  3. لماذا نحن على هذه البسيطة
  4. ما يدخره لنا المستقبل

 

لنتأمل في صفحاته ملياً لأنها تبعث فينا الرجاء بغدٍ مشرق.

تأملات روحية

"وعندنا الكلمة النبوية وهي أثبت التي تفعلون حسناً إن إنتبهتم إليها كما إلى سراج منير في موضع مظلم إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم" 2بطرس 1: 19. لقد تهكم الساخرون على الكتاب وإستهزأوا بوعوده، ولكنهم لم يعوضوا على العالم بدلاً من تلك الوعود الثمينة برجاء، لذلك فهم يقتربون إلى القبر فارغي الأيدي والقلوب.

 

     نشكر الله لأننا في الآلام الحاضرة وفي الزوابع المستقبلة نقدر أن نتبع ذلك النور وتلك الكلمة النبوية الأكيدة التي تنير في الظلمة إلى أن "ينفجر النهار".

 

صــــلاة

     يا إلهنا وأبانا السماوي إننا نشكرك لأنك وهبتنا النور المضيء في الظلمة دليلاً في حياتنا البائسة، إلى الميناء الصالح. والآن أيها الآب الحنون أطلب إليك أن تساعدني في دروسي حتى تنجلي كلمتك أمامي يوماً بعد يوم. أسألك هذا يا إلهي بإسم يسوع الحبيب. آمين.