الدرس الثاني: سبت العهد الجديد

مثال يسوع وتعليمه

    دعنا ننظر إلى ما يقوله الكتاب المقدس عن السبت. يجب أن نبدأ أولاً بتعليم يسوع ومثاله. قال يسوع: "أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي" يوحنا 14: 6.

 

    يسوع هو "الطريق والحق والحياة". هو "تألم لأجلنا تاركاً لنا مثالاً لكي تتبعوا خطواته"  1بطرس 2: 21. "من قال أنه ثابت فيه ينبغي أنه كما سلك ذاك هكذا يسلك هو أيضاً" 1يوحنا 2: 6.

    هل ضرب لنا يسوع مثالاً على حفظ السبت؟ هل قال أي شيء عن السبت؟ نعم قال وفعل. "وجاء الى الناصرة حيث كان قد تربى. ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ" لوقا 4: 16.

    حفظ يسوع السبت. اتّهّم الكتبة والفريسيون يسوع وتلاميذه بكسرالسبت (أنظر متى 12: 1-14؛ يوحنا 5: 1-21؛ 7: 21-24). لكن يسوع دائماً ادعّى أنه هو وتلاميذه كانوا أبرياء من تهمة كسر السبت. حفظ يسوع السبت طبقاً للكتاب المقدس، لا طبقاً لقواعد الفريسيين. أولئك الذين يتهمون يسوع اليوم بكسر السبت يرتكبون نفس الشيء الذي ارتكبه الكتبة والفريسيون في أيام يسوع.

    إن يسوع لم يحفظ السبت فحسب، بل علّم أتباعه أن يحفظوا السبت ايضاً. قبل صلبه، عند تنبؤه لتلاميذه بسقوط أورشليم، اوصاهم بأن يُصّلوا لئلا يكون هربهم في يوم سبت. كان يسوع يتكلم عن حدثٍ كان سيقع بعد اربعين سنة، مما يبين انه توقع من التلاميذ أن يواصلوا حفظ السبت آنذاك "وصلّوا لكي لا يكون هربكم في شتاء ولا في سبت" متى 24: 20.

هل السبت لا يزال سارياً بعد موت المسيح؟

    على الرغم من الاعتراف العام بأن يسوع حفظ السبت أثناء خدمته في العالم، إلا أن البعض يقولون بأنه منذ موته لم تعد هناك أهمية لليوم الذي يجب أن يتعبد فيه الشخص. لكن تعليم يسوع في متى 24: 20 يتعارض مع هذا. ولتدعيم فكرتهم يقتبسون (كولوسي 2: 16) "فلا يحكم عليكم احد في اكل او شرب او من جهة عيد او هلال او سبتٍ". هذا النص الهام جديرٌ بالدراسة ففي التدبير اليهودي كان هناك نوعان من السبوت سبت الوصايا العشر والسبوت الطقسية السنوية الخاصة بخدمة المقدس. تعني كلمة سبت راحة، وكان في التدبير اليهودي بضعة اعياد سنوية كان يلزم على جميع الناس الراحة والعبادة فيها. كان عيد الفصح واحداً من هذه. وكان يوافق يوم 14 من الشهر الديني اليهودي الأول لكل سنة. وهكذا، كان يحل في يوم الاثنين في إحدى السنين، وفي يوم الثلاثاء في السنة التالية.الخ.

 

    يمكن ان نقرأ عن هذه السبوت الطقسية السنوية في سفر اللاويين 16: 31؛ 23: 4-6. كانت هذه الأعياد السنوية تشير إلى يسوع وخدمته وفقدت أهميتها بعد مجيئه. كان سبت عيد الفصح، مثلاً، نبوة تتنبأ عن يوم صلب يسوع. وبالفعل مات المسيح في يوم عيد الفصح، في لحظة ذبح الحمل. يسوع هو حمل عيد الفصح الحقيقي (1كورنثوس 5: 7).

 

كانت هذه السبوت الطقسية السنوية جزءاً من خدمات المقدس وكانت تشير إلى المجيء الأول ليسوع إلى الأرض. أما سبت الوصايا العشر فكان يشير إلى خلق العالم: "اذكر يوم السبت لتقدسه. ستة ايام تعمل وتصنع جميع عملك. واما اليوم السابع ففيه سبت للرب الهك. لا تصنع عملا ما انت وابنك وابنتك وعبدك وامتك وبهيمتك ونزيلك الذي داخل ابوابك. لان في ستة ايام صنع الرب السماء والارض والبحر وكل ما فيها. واستراح في اليوم السابع. لذلك بارك الرب يوم السبت وقدّسه" خروج 20: 8- 11.

 

هكذا كان هناك نوعان من السبوت أولاً: السبت الأسبوعي الذي تأسس عند الخليقة واُدرج في شريعة الله، وثانياً: السبوت الطقسية السنوية التي أسسها الله في سيناء. أوضح بولس في كولوسي عن أي سبت كان يتحدث، عن السبوت الطقسية فقط. يقرأ العديد من الناس حتى كلمة سبت فقط، ولا يقرأون بقية الجملة في الآية التالية: "فلا يحكم عليكم احد في اكل او شرب او من جهة عيد او هلال او سبت التي هي ظل الامور العتيدة اما الجسد فللمسيح" كولوسي 2: 16 و 17. أوصى بولس بأن لا نحكم على الناس بخصوص هذه السبوت الطقسية، لكن الكتاب المقدس يوضح بان السبت، سابع ايام الأسبوع، هو ذكرى ابدية، صرّح يوحنا، آخر الرسل، أن هناك يوماً خاصاً بالرب، عندما كتب سفر الرؤيا سنة 96م. "كنتُ في الروح في يوم الرب" رؤيا 1: 10.

 

      في حين ان يوحنا لا يقول هنا اي يوم هو يوم الرب، يخبرنا يسوع بوضوح أن يومه هو السبت. "فإن ابن الانسان هو رب السبت ايضاً" متى 12: 8.

 

      كان ذلك تصريحاً جريئاً جداً من يسوع حين ادعّى أنه رب السبت. لأن ذلك اقتباس مباشر من الوصية الرابعة التي تصّرح بالقول "وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك". كان يسوع يعلن أنه خالق الوصية الرابعة. "ثم قال لهم (يسوع) السبت إنما جُعل لأجل الانسان. لا الانسان لأجل السبت. إذاً ابن الانسان هو رب السبت ايضاً" مرقس 2: 27 و 28.

 

      لاحظ أيضاً أن يسوع لم يقل أن السبت قد جُعل لليهود، لكن للانسان. قد تأسس وخُلق في بداية الخلق، يسوع هو الخالق. وهو الذي خلق السبت في المقام الأول. "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس.   والنور يضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه كان انسان مرسل من الله اسمه يوحنا. هذا جاء للشهادة ليشهد للنور لكي يؤمن الكل بواسطته. لم يكن هو النور بل ليشهد للنور. كان النور الحقيقي الذي ينير كل انسان آتيا الى العالم. كان في العالم وكوّن العالم به ولم يعرفه العالم. الى خاصته جاء وخاصته لم تقبله. واما كل الذين قبلوه فاعطاهم سلطانا ان يصيروا اولاد الله اي المؤمنون باسمه. الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله  والكلمة صار جسدا وحلّ بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقاً" يوحنا 1: 1-14. "فانه فيه خُلق الكل ما في السموات وما على الارض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشاً ام سيادات ام رياسات ام سلاطين. الكل به وله قد خُلق" كولوسي 1: 16.

اليوم الذي حفظه الرسل

    حذا الرسل حذو يسوع، فحفظوا السبت الحقيقي. ليس هناك موقف واحد مسجل يرد فيه أن ايّاً من الرسل قدّس يوم الأحد. إلا أن هناك عشرات من المواقف المسجلة التي يرد فيها أنهم حفظوا السبت. دعونا ننظر إلى بعض هذه الأمثلة:

 

"وبعد ما خرج اليهود من المجمع جعل الامم يطلبون اليهما ان يكلماهم بهذا الكلام في السبت القادم. ولما انفضت الجماعة تبع كثيرون من اليهود والدخلاء المتعبدين بولس وبرنابا اللذين كانا يكلمانهم ويقنعانهم ان يثبتوا في نعمة الله. وفي السبت التالي اجتمعت كل المدينة تقريبا لتسمع كلمة الله" أعمال الرسل 13: 42-44. لاحظ أن اجتماع العبادة في السبت التالي هذا الذي يرد ذكره هنا لم يكن لليهود لكن للأمم.

 

"وفي يوم السبت خرجنا الى خارج المدينة عند نهر حيث جرت العادة ان تكون صلاة فجلسنا وكنا نكلم النساء اللواتي اجتمعن" أعمال الرسل 16: 13. كانوا في مدينة وثنية لم يكن فيها يهود أو مجامع يهودية، لكن عندما حلّ السبت ذهبوا إلى النهر ليتعبدوا. حدث هذا بعد القيامة باثنتين وعشرين سنة.

 

"فاجتازا في امفيبوليس ابولونية وأتيا الى تسالونيكي حيث كان مجمع اليهود. فدخل بولس اليهم حسب عادته وكان يحاجهم ثلاثة سبوت من الكتب" أعمال الرسل 17: 1 و 2. "وكان يحاج في المجمع كل سبت ويقنع يهودا ويونانيين... فاقام سنة وستة اشهر يعلّم بينهم بكلمة الله" أعمال الرسل 18: 4 و 11.

 

أول أيام الأسبوع

      من اين إذاً يأتي حفظ اليوم الأول من الأسبوع؟ حيث أن يسوع لم يذكر الأحد أو اليوم الأول من الأسبوع في الكتاب المقدس، فهو لم يؤسس العبادة في هذا اليوم.

 

      في الحقيقة، لا يوجد سوى تسعة شواهد تشير إلى اليوم الأول من الأسبوع في الكتاب المقدس بأسره! من التكوين إلى الرؤيا. هذه الشواهد هي: تكوين 1: 5؛ متى 28: 1؛ مرقس 16: 2؛ مرقس 16: 9؛ لوقا 24: 1؛ يوحنا 20: 1؛ يوحنا 20: 19؛ أعمال 20: 7؛ 1كورنثوس 16: 2.

 

      تصفح هذه النصوص وستكتشف أن اليوم الأول من الأسبوع لا يدعى في أي مكان (يوم السبت)، (يوم الرب)، (يوم التجمع)، أو مثل ذلك. ولا شاهد من هذه الشواهد يلمح أو يُصّرح بأن قدسية السبت قد تحولت إلى ذلك اليوم. كما لا يدعى في أي مكان "السبت المسيحي" أو "اليوم المسيحي للعبادة". دعونا نراجع هذه النصوص التسعة.

 

      يورد النص الأول ما خلقه الله في اليوم الأول من الأسبوع. وتتناول ستة مراجع حادثة القيامة المجيدة في أول الأسبوع وظهوره للتلاميذ في عشية ذلك اليوم ليطمئن قلوبهم، قائلاً: "أنا هو لا تخافوا" لأنهم كانوا مجتمعين لسبب الخوف من اليهود. هنا لا يوجد أمر بالتغيير أو تقديم مثال للعبادة. هذا يترك لنا نصين لا أكثر. أولهما في 1كورنثوس 16: 2 "في كل اول اسبوع ليضع كل واحد منكم عنده. خازناً ما تيسر حتى اذا جئت لا يكون جمع حينئذ". يتكلم بولس هنا إلى المؤمنين عن مؤونة خاصة، قد تكون حبوباً أو مخزوناً غذائياً آخر. كان سيؤخذ إلى القديسين في أورشليم. نقرأ في سفر الأعمال عن حدوث مجاعة في أورشليم، فأراد بولس أن يأخذ تقدمات إغاثتهم. فأرسل خبراً مسبقاً لكي يجهزوا المؤونة حتى يمكن أن يأخذ هذه العطايا معه. حتى إذا كان هذا النص قد اشار إلى النقود، فمن المستحسن أن نتدبر أمورنا المالية في أيام اخرى غير يوم السبت.

 

      دعونا الآن نلتفت إلى الآية الأخرى الوحيدة التي تذكر اليوم الأول من الأسبوع. "وفي اول الاسبوع اذ كان التلاميذ مجتمعين ليكسروا خبزا خاطبهم بولس وهو مزمع ان يمضي في الغد واطال الكلام الى نصف الليل" أعمال الرسل 20: 7.

 

      يمكن لهذا النص -بدون تحليل حذر- أن يدعم عبادة الأحد. لكن هناك سؤالان هامّان من الضروري أن نطرحهما: أولاً: هل الاجتماع في اليوم الأول يجعل ذلك اليوم من الأسبوع يوماً مقدساً؟ تناول يسوع العشاء الرباني في ليلة الخميس قبل الصلب. حتى اليوم تقيم العديد من الكنائس اجتماعات في مساء يوم الأربعاء وفي أيام اخرى من الأسبوع. لكن إذا كان هذا النص قد دعا اليوم الأول من الأسبوع سبتاً أو يوم الرب، فسيكون الأمر مختلفاً: لكنه لم يفعل ذلك. إنما يقول النص ببساطة إن بولس تحدث حتى منتصف الليل.

 

      الآن لاحظ آية 8: "وكانت مصابيح كثيرة في العلية التي كانوا مجتمعين فيها". لاحظ أن هذا كان اجتماعاً ليلياً في اليوم الأول من الأسبوع. فإذا كان ذلك صحيحاً، ففي أي ليلة اُقيم؟ في الكتاب المقدس، قال الله أن يوم السبت يبدأ من مغرب اليوم السادس حتى مغرب اليوم السابع. وكانت الأيام في الكتاب المقدس تحسب دائماً من المغرب حتى المغرب التالي له. (أنظر لاويين 23: 32 وتكوين 1) وإلا فكيف كان الناس سيعرفون متى يبدأ اليوم الجديد بدون الساعات الحديثة؟ هكذا اعتبر اليهود ليل السبت اليوم الأول من الأسبوع. لهذا فإن الترجمة الانجليزية الجديدة للكتاب المقدس تترجم الآية السابعة كالتالي: "في ليلة السبت، في تجمعنا لكسر الخبز، خاطبهم بولس، الذي كان عليه الرحيل في اليوم التالي، وتابع خطابه حتى منتصف الليل".

 

      الآن لاحظ ما حدث صباح الأحد. هل ذهبوا إلى الكنيسة؟ لا: "ثم صعد وكسر خبزاً (يشير هذا التعبير في الكتاب المقدس إلى أية وجبة، ليس فقط إلى العشاء الرباني) وأكل وتكلم كثيراً إلى الفجر وهكذا خرج" أعمال الرسل 20: 11.

 

      في صباح الأحد لم يذهب بولس إلى الكنيسة، لكنه سار 14 ميلاً عبر شبه الجزيرة إلى أسوس ليلحق بالتلاميذ الذين التقوا به هناك قبل حلول السبت ببضعة أيام. وحالما إنتهى السبت، ودّعهم، وألقى عليهم خطبة اخيرة ثم غادر في الصباح التالي. قد القينا نظرة على كل نصوص اليوم الأول ووجدنا ما هو بديهي: إن الكتاب المقدس لا يقول، في أي مكان، أن الأحد هو يوم مقدس.